الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      5201 حدثنا عباس العنبري حدثنا أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم أيدخل عمر

                                                                      التالي السابق


                                                                      وهو في مشربة بضم الراء وفتحها أي غرفة له أي للنبي

                                                                      قلت لا يظهر مناسبة الحديث بالباب ويمكن أن يقال في توجيهه بأن المؤلف أراد بهذا التبويب بيان أربع صور للتسليم

                                                                      الأول تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء ثم مفارقته إياه ثم لقاؤه فماذا يفعل فأورد فيه حديث أبي هريرة وفيه دلالة واضحة على تسليم الرجل كلما لقيه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه

                                                                      والثاني تسليم الرجل على الرجل تسليم اللقاء ثم مفارقته إياه ثم مجيئه على باب بيته للقائه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان

                                                                      والثالث تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاءه ثانيا يستأذنه فينبغي له أن يسلم عليه ثانيا تسليم الاستئذان

                                                                      والرابع تسليم الرجل على الرجل تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاءه ثانيا يستأذنه وسلم تسليم الاستئذان فأذن له فدخل فينبغي له أن يسلم عليه تسليم اللقاء فعلى الصورة الثانية والثالثة والرابعة استدل المؤلف بحديث عمر رضي الله عنه .

                                                                      وهذا الحديث مختصر من الحديث الطويل الذي أورده الإمام البخاري في كتاب النكاح وفي كتاب المظالم ما لفظه قال عمر : فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك ألم أكن [ ص: 85 ] حذرتك هذا أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم - قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر . فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم - فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه . الحديث بطوله

                                                                      ففي هذا دلالة لكل من ثلاث الصور الباقية .

                                                                      أما الثانية فلأن عمر صلى صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن بعمر أنه ترك تسليم اللقاء على النبي صلى الله عليه وسلم - لقوله إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه الحديث ثم فارقه عمر إلى أن جاء المشربة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه والاستئذان لا يكون إلا مع التسليم كما تقدم عند المؤلف من حديث رجل من بني عامر ، على أنه في قصة الاعتزال أيضا مصرح في رواية أبي داود : أن عمر رضي الله عنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان ثم قال أيدخل عمر فهذا التسليم تسليم الاستئذان بعد تسليم اللقاء وقت صلاة الصبح

                                                                      وأما الثالثة فلأن عمر سلم على النبي صلى الله عليه وسلم تسليم الاستئذان فلم يؤذن له فرجع ثم جاء واستأذن فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان ثانيا مع علمه بذلك ؟!

                                                                      وأما الرابعة فلأن عمر سلم عليه تسليم الاستئذان أولا كما تدل عليه رواية المؤلف فلم يؤذن له فرجع ثم جاء ثانيا واستأذن فكيف يترك عمر تسليم الاستئذان فإذا أذن له دخل عليه صلى الله عليه وسلم وسلم عليه تسليم اللقاء ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف وأحسن منه أن يقال إن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فاستأذن بواسطة غلام له أسود فقال في استئذانه السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم أيدخل عمر وقد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرار على ما أخرجه الشيخان وغيرهما في حديث طويل اختصر منه المؤلف هذا الحديث

                                                                      [ ص: 86 ] وقد دل هذا الحديث على طريق استئذان عمر وهو قوله السلام عليك يا رسول الله إلى آخره وهذا الطريق هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم قريبا في باب كيف الاستئذان من قوله السلام عليكم أأدخل وقد ورد هذا الطريق في عدة أحاديث ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم الآية بل قد جاء الاكتفاء في الاستئذان على مجرد السلام - أيضا كما تقدم في ثالث أبواب الاستئذان وبهذا يظهر المطابقة بين ترجمة الباب وبين حديث عمر إذ قد وقع الاستئذان من عمر في هذه الواقعة ثلاث مرات وقد ثبت أن الاستئذان لا بد فيه من التسليم أو هو التسليم وأيما كان فقد سلم عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل لقاء بعد مفارقة ولو بواسطة وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أن الرجل إذا فارق الرجل ثم لقيه سلم وهو مقصود الترجمة والله أعلم

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي من مسند عبد الله بن عباس والصواب الأول




                                                                      الخدمات العلمية