( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 21 ) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ( 22 ) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ( 23 ) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ( 24 ) )
قوله تعالى ( يا أيها الناس ) قال ابن عباس رضي الله عنهما يا أيها الناس خطاب أهل مكة ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة وهو هاهنا عام إلا من حيث إنه لا يدخله الصغار والمجانين
( اعبدوا ) وحدوا قال ابن عباس رضي الله عنهما كل فمعناها التوحيد ( ما ورد في القرآن من العبادة ربكم الذي خلقكم ) والخلق اختراع الشيء على غير مثال سبق ( والذين من قبلكم ) أي وخلق الذين من قبلكم ( لعلكم تتقون ) لكي تنجوا من العذاب وقيل معناه كونوا على رجاء التقوى بأن [ ص: 72 ] تصيروا في ستر ووقاية من عذاب الله وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء كما قال " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " ( 44 - طه ) أي ادعواه إلى الحق وكونا على رجاء التذكر وحكم الله من ورائه يفعل ما يشاء قال : لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله واجب سيبويه
( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) أي بساطا وقيل مناما وقيل وطاء أي ذللها ولم يجعلها حزنة لا يمكن القرار عليها قال : حدثنا البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة جرير عن منصور عن أبي وائل عن عن عمرو بن شرحبيل عبد الله رضي الله عنه قال : والجعل هاهنا بمعنى الخلق ( سألت رسول الله عليه وسلم أي ذنب أعظم عند الله ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذلك عظيم . ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك والسماء بناء ) وسقفا مرفوعا . ( وأنزل من السماء ) أي من السحاب ( ماء ) المطر ( فأخرج به من الثمرات ) ألوان الثمرات وأنواع النبات ( رزقا لكم ) طعاما لكم وعلفا لدوابكم ( فلا تجعلوا لله أندادا ) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله . قال أبو عبيدة : الند الضد وهو من الأضداد والله تعالى بريء من المثل والضد . ( وأنتم تعلمون ) أنه واحد خالق هذه الأشياء
( وإن كنتم في ريب ) أي ( وإن ) كنتم في شك لأن الله تعالى علم أنهم شاكون ( مما نزلنا ) يعني القرآن ( على عبدنا ) محمد ( فأتوا ) أمر تعجيز ( بسورة ) والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر من أسأرت أي أفضلت حذفت الهمزة ، وقيل السورة اسم للمنزلة الرفيعة ومنه سور البناء لارتفاعه سميت سورة لأن القارئ ينال بقراءتها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكماله سور القرآن ( من مثله ) أي مثل القرآن ومن " صلة كقوله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ( 30 - النور ) وقيل الهاء في مثله راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم يعني من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يحسن الخط والكتابة قال محمود هاهنا من مثله دون سائر السور لأن من للتبعيض وهذه السورة أول القرآن بعد الفاتحة فأدخل من ليعلم أن ولو أدخل من في سائر السور كان التحدي واقعا على جميع سور القرآن ولو أدخل في سائر السور كان التحدي واقعا على بعض السور ] التحدي واقع على جميع سور القرآن ،
( وادعوا شهداءكم ) أي واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها ( من دون الله ) وقال مجاهد : ناسا يشهدون لكم ( إن كنتم صادقين ) أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه فلما تحداهم عجزوا
فقال ( فإن لم تفعلوا ) فيما مضى ( ولن تفعلوا ) أبدا فيما بقي . وإنما قال ذلك لبيان الإعجاز وأن حيث عجزوا عن الإتيان بمثله . ( القرآن [ ص: 73 ] كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فاتقوا النار ) أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار . ( التي وقودها الناس والحجارة ) قال ابن عباس وأكثر المفسرين يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهابا وقيل جميع الحجارة وهو دليل على عظمة تلك النار وقيل أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت منحوتة من الحجارة كما قال " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " ( 98 - الأنبياء ) ( أعدت ) هيئت ( للكافرين ) .