وفي هذه السنة رضي الله عنه عمر الربذة لخيل المسلمين ، وقيل: في سنة ست عشرة . حمى
وفيها اتخذ عمر دار الدقيق ، فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزيت ، وما يحتاج إليه المنقطع والضعيف الذين ينزلون بعمر ، ووضع عمر في طريق السبيل ما بين مكة والمدينة ما يصلح لمن ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء .
ومن الحوادث رضي الله عنه كتب التاريخ عمر في هذه السنة أن
وذلك في سنة خمس من ولايته ، وسنذكر سبب ذلك .
قال : لما هبط الشعبي آدم من الجنة ، وانتظر ولده أرخ بنو آدم من هبوط آدم ، [ ص: 227 ] فكان التأريخ حتى بعث الله نوحا ، فأرخوا من مبعث نوح حتى كان الغرق ، وكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم ، فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا ، فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف ، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى ، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان ، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى ، ومن مبعث عيسى إلى أن بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين .
وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت ، ومن بناء البيت حتى تفرقت معد ، وكانت للعرب أيام وأعلام يعدونها ، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل ، وكان التأريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة .
وإنما أرخ بعد سبع عشرة من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أن عمر كتب إلى أبا موسى الأشعري عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ . قال: فجمع عمر الناس للمشورة ، فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عمر: لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل .
وقال : رفع إلى ميمون بن مهران عمر صك محله في شعبان ، فقال عمر: أي شعبان؟ الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟ قال: ثم قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ضعوا للناس شيئا يعرفونه ، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الروم ، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين ، فهذا يطول . وقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الفرس ، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله ، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ، فوجدوا عشر سنين ، فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال : قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا ، فقال عمر: ما أرخوا؟ قال: شيء تفعله الأعاجم ، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا ، قال عمر: حسن فأرخوا ، فقال: من أي السنين نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه ، وقالوا: من وفاته ، ثم أجمعوا على الهجرة ، ثم قال: فبأي الشهور نبدأ ، فقالوا: من رمضان ، ثم قالوا: المحرم؛ فإنه منصرف الناس من حجهم ، وهو شهر حرام ، فأجمعوا على المحرم . [ ص: 228 ] ابن سيرين
وقال : جمع عمر الناس فسألهم فقال: من أي يوم نكتب؟ سعيد بن المسيب
فقال رضي الله عنه: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وترك أرض الشرك . ففعله عمر رضي الله عنه . علي
وقال عثمان رضي الله عنه: أرخوا المحرم أول السنة .
قال مؤلف الكتاب: فقد قدموا التأريخ شهرين وبعض الآخر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول .
وقد قيل: إنما كتب التاريخ في سنة ست عشرة . عمر
وقال قدامة بن جعفر الكاتب : تاريخ كل شيء آخره ، وهو في الوقت غايته والموضع الذي انتهى إليه ، يقال: فلان تاريخ قومه؛ أي: إليه انتهى شرفهم . ويقال: ورخت الكتاب توريخا ، وأرخته تأريخا ، اللغة الأولى لتميم ، والأخرى لقيس ، ولكل مملكة وأهل ملة تأريخ ، وقد كان الروم أرخوا على حسب ما وقع من الأحداث إلى أن استقر تأريخهم على وفاة ذي القرنين ، وكانت الفرس تؤرخ بأعدل ملك لها إلى أن استقر تأريخها على هلاك يزدجرد الذي كان آخر ملوكهم ، وكانت العرب تؤرخ بتفرق ولد إسماعيل وخروجهم عن مكة ، ثم أرخوا بعام الغدرة ، وقال: إن ملكا من ملوك حمير وجه إلى الكعبة بكسوة وطيب ، فاعترض قوم من بني يربوع بن حنظلة الرسل فقتلوهم ، فانتهبوا ذلك ، وكانوا لا يفعلون ذلك في الأشهر الحرم ، فسمي عام الغدرة . ثم أرخوا بعام الفيل ، وكان في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنين وثمانين لذي القرنين ، ثم أرخ بسني الهجرة ، ابتدأ بذلك . عمر بن الخطاب
لأن سنيهم تجري على أمر الشمس ، وهي نهارية ، وسنو العرب يعمل فيها على القمر ، وابتداء رؤيتنا له الليل ، فيقال في أول ليلة مستهل ، ولا يقال ذلك في النهار ، ويقال في آخر الشهر يوم كذا: انسلاخ شهر كذا؛ لأن الشهر يبتدئ بابتداء الليل وينقضي بانقضاء [ ص: 229 ] النهار ، وما قبل الخامس عشر يعرف بالليالي المواضي ، وإذا كان بعده عرف بالليالي البواقي . والتواريخ العربية إنما هي على الليالي ، وسائر تواريخ الأمم على الأيام؛