قال علماء السير: وقسم سعد الفيء بعد ما خمسه ، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا ، وقسم دور المدائن بين الناس ، وبعث إلى العيالات فأنزلوهم إياها ، وأقاموا بالمدائن حين فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل ، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد .
وبعث سعد في آثار القوم زهرة في جماعة ، وأمره أن يبلغ جسر النهروان ، فبلغوا هناك ثم رجعوا ، ومضى المشركون نحو حلوان .
[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا أخبرنا المخلص ، أحمد بن عبد الله بن سيف ، أخبرنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب بن إبراهيم ، حدثنا سيف بن عمر ، عن النضر بن السري ، عن ابن الرفيل ] ، عن أبيه الرفيل ، قال: خرج زهرة يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه ، فازدحموا عليه ، فوقع بغل في الماء ، فكلبوا عليه ، فقال زهرة: إني أقسم بالله أن لهذا البغل لشأنا ، وإلا ما كان القوم كلبوا عليه ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك [إلا لشيء بعد ما أرادوا تركه] ، وإذا الذي عليه حلية كسرى وثيابه وخرزاته ووشاحه ، ودرعه التي كان فيه الجوهر ، وكان يجلس فيها للمباهاة ، وترجل زهرة يومئذ حتى إذا أزاحهم أمر [ ص: 208 ] أصحابه بالبغل فاحتملوه ، فأخرجوه فجاءوا بما عليه حتى ردوه إلى الأقباض ، ما يدرون ما عليه .
[وعن سيف ، عن ] ، عن الأعمش حبيب بن صهبان ، قال: دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالا مختمة بالرصاص ، فما حسبناها إلا طعاما ، فإذا هي آنية الذهب والفضة ، فقسمت بعد في الناس .
[وقال حبيب ]: وقد رأيت الرجل يطوف ويقول: من معه بيضاء بصفراء؟ وأتينا على كافور كثير ، فما حسبناه إلا ملحا ، فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز .
[قال: وحدثنا سيف ، عن عبدة بن معتب ، عن رجل من بني الحارث بن طريف] ، عن عصمة بن الحارث الضبي ، قال:
خرجت فيمن خرج يطلب ، فإذا حمار معه حمار ، فلما رآني حثه حتى لحق بآخر قدامه ، فحثا حماريهما ، فانتهيا إلى جدول قد كسر جسره ، فأتيتهما فقتلت واحدا منهما وأفلت الآخر ، فرجعت إلى الحمارين ، فأتيت بهما صاحب الأقباض ، فنظر ما عليهما فإذا على أحدهما سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسرج بسرج فضة ، على ثغره ولببه الياقوت والزمرد منظوم على الفضة ، ولجام كذلك ، وفارس من فضة مكلل بالجوهر ، وإذا في الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان من ذهب ، ولها زمام من ذهب ، وكل ذلك منظوم بالياقوت ، وإذا عليها رجل من ذهب مكلل بالجوهر كان كسرى يضعهما على أسطوانة التاج .
[قال: وحدثنا سيف ، عن هبيرة بن الأشعث] ، عن أبي عبيدة العنبري ، قال: لما هبط المسلمون المدائن ، وجمعوا الأقباض ، أقبل رجل بحق معه ، [ ص: 209 ] فدفعه إلى صاحب الأقباض ، فقال الذي معه: ما رأينا مثل هذا قط ، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه ، فقالوا له: هل أخذت منه شيئا ، فقال: أما والله ، لولا الله ما أتيتكم به ، فعرفوا أن للرجل شأنا ، فقالوا: من أنت؟ فقال: والله ما أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليقرظوني ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه . فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه ، فإذا هو عامر بن عبد قيس .
[قال: وحدثنا سيف ، عن مبشر بن الفضيل ] ، عن قال: والله الذي لا إله إلا هو ، ما أطلعنا على أحد من أهل القادسية ، أنه يريد الدنيا مع الآخرة ، ولقد اتهمنا ثلاثة نفر ، فما رأينا كما هجمنا عليه من أمانتهم وزهدهم: جابر بن عبد الله ،
طليحة بن خويلد ، وعمرو بن معديكرب ، وقيس بن المكشوح .
[قال: وحدثنا سيف ، عن مخلد بن قيس العجلي ، عن أبيه ، ] قال: لما قدم بسيف كسرى ومنطقته على رضي الله عنه ، قال: عمر بن الخطاب فقال علي رضي الله عنه: إنك عففت فعفت الرعية . [وقال: وحدثنا إن أقواما أدوا هذا لذوو أمانة ، سيف] ، عن محمد وطلحة وزياد والمهلب ، قالوا: جمع سعد الخمس ، وأدخل فيه كل شيء أراد أن يعجب به عمر ، من ثياب كسرى وحليه وسيفه ونحو ذلك ، وفضل بعد القسم بين الناس ، وأخرج خمس القطف ، وهو بساط ، فلم تعتدل قيمته ، فقال للمسلمين: هل لكم في أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماس ، ونبعثه إلى عمر فيضعه حيث يرى ، قالوا: نعم ، فبعث به وكان ستين ذراعا في ستين ذراعا ، فيه طرق كالأنهار ، وقصور كالدور ، وفي حافاته كالأرض المزروعة المبقلة [بالنبات] في [ ص: 210 ] الربيع . فلما قدم على عمر رضي الله عنه ، قال: أشيروا علي فيه ، قالوا: قد جعل ذلك لك فر رأيك ، إلا ما كان من رضي الله عنه ، فإنه قال: يا أمير المؤمنين ، الأمر كما قالوا: ولم يبق إلا التروية ، إنك إن تقبله على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له ، فقال: صدقتني ، فقطعه بينهم . علي
[قال: وحدثنا سيف ] ، عن قال: أصاب المسلمون يوم المدائن بهار كسرى ، وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين ، فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه ، فكأنهم في رياض وكان بساط واحد ستين ذراعا في ستين ، أرضه مذهب ، ووشيه بفصوص ، ومموه بجوهر ، وورقه بحرير ، وماؤه ذهب ، وكانت العرب تسميه القطف ، فلما قسم سعد فيهم فضل عنهم ولم يتفق قسمه ، فجمع سعد المسلمين ، فقال: إن الله تعالى قد ملأ أيديكم وقد عسر قسم هذا البساط ، ولا يقوى على شرائه أحد ، فأرى أن تطيبوا به أنفسنا لأمير المؤمنين يضعه حيث شاء ، ففعلوا . عبد الملك بن عمير ،
فلما قدم على عمر المدينة جمع الناس فاستشارهم في البساط ، فمن بين مشير بقبضه ، وآخر مفوض إليه ، وآخر مرقق ، فقام علي رضي الله عنه ، فقال: لم تجعل علمك جهلا ، ويقينك شكا ، إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت ، أو لبست فأبليت ، أو أكلت فأفنيت ، فقال: صدقتني ، فقطعه فقسمه بين الناس ، فأصاب عليا رضي الله عنه قطعة منه فباعها بعشرين ألفا ، وما هي بأجود تلك القطع .
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال: حدثنا أبو العباس المبرد ، قال: أخبرني] القاسم بن سهل النوشجاني : إن ستر باب الإيوان أخرقه المسلمون لما افتتحوا المدائن ، فأخرجوا منه ألف ألف مثقال ذهبا ، فبيع المثقال بعشرة دراهم ، فبلغ عشرة آلاف ألف [ألف] درهم .
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: [ ص: 211 ]
أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، قال: أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعي ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، قال]: : لما خرج أبو بكر بن عياش إلى علي بن أبي طالب صفين ، مر بخراب ، فتمثل رجل من أصحابه:
جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد وإذا النعيم وكل ما يلهى به
يوما يصير إلى بلى ونفاذ
كم تركوا من جنات وعيون [ وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها ] قوما آخرين إن هؤلاء [القوم] كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، وإن هؤلاء [القوم] استحلوا الحرام فحلت بهم النقم [فلا تستحلوا الحرام فتحل بكم النقم] . [أخبرنا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ، أخبرنا القاسم بن أبي شيبة ، حدثنا عن حفص بن غياث ، الشيباني ، عن أبي عون] ، عن السائب بن الأقرع:
أنه كان جالسا في إيوان كسرى ، فنظر إلى تمثال يشير بأصبعه إلى موضع قال: فوقع في روعي أنه يشير إلى كنز ، قال: فاحتفرت ذلك الموضع ، فاستخرجت كنزا عظيما ، فكتبت إلى عمر أخبره ، فكتب إن هذا شيء أفاءه الله عليه دون المسلمين .
قال فكتب إليه عمر: إنك أمير من أمراء المسلمين ، فاقسمه بين المسلمين . [ ص: 212 ]
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، قال: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني ، قال: حدثنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الحسيني ، قال: حدثني] أحمد بن إسماعيل ، قال:
لما صارت الخلافة إلى هم بنقض [إيوان المدائن] ، فاستشار جماعة من أصحابه ، فكلهم أشار بمثل ما هم به ، وكان معه كاتب من الفرس ، فاستشاره في ذلك ، فقال له: يا أمير المؤمنين ، أتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من تلك القرية ، وكان له بها مثل ذلك المنزل ولأصحابه مثل تلك الحجر ، فخرج أصحاب ذلك الرسول حتى جاءوا مع ضعفهم إلى صاحب هذا الإيوان مع عزته وصعوبة أمره ، فغلبوه وأخذوه من يده قسرا ، ثم قتلوه فيجيء الجائي من أقاصي الأرض ، فينظر إلى تلك المدينة وإلى هذا الإيوان ، [ويعلم أن صاحبها قهر صاحب هذا الإيوان] ، فلا يشك أنه بأمر الله ، وأنه هو الذي أيده وكان معه ومع أصحابه ، وفي تركه فخر لكم . فاستغشه المنصور واتهمه لقرابته من القوم ، ثم بعث في نقض الإيوان ، فنقض منه الشيء اليسير ، ثم كتب إليه: إننا نغرم في نقضه أكثر مما نسترجع منه ، إن هذا تلف الأموال وذهابها . فدعا الكاتب فاستشاره فيما كتب إليه به ، فقال: لقد كنت أشرت بشيء لم تقبل مني ، فأما الآن فإني آنف لكم أن يكونوا أولئك يبنون بناء تعجزون أنتم عن هدمه ، والصواب أن تبلغ به الماء ، ففكر المنصور فعلم أنه قد صدق ، فإذا هدمه يتلف الأموال ، فأمر بالإمساك عنه . المنصور