[ ص: 222 ] ثم دخلت سنة تسع وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها :
أن الأعراب قطعوا على قافلة الحاج قريبا من سميراء ، فاستاقوا نحوا من خمسة آلاف بعير مع أحمالها .
واجتمع في المحرم من هذه السنة كسوف الشمس والقمر ، وغابت الشمس منكسفة .
ويوم السبت النصف من جمادى الأولى : شخص يريد اللحاق المعتمد بمصر ، فأقام يتصيد بالكحيل ، فلما صار إلى عمل المعتمد إسحاق بن كنداج ، وكان العامل على الموصل وعامة الجزيرة ، وكان قد كتب إليه أبو أحمد بالقبض على ، وعلى قواده ، فأظهر أنه معهم ، وقد كان قواد المعتمد حذروا المعتمد من المرور به ، فأبى وقال : إنما هو غلامي . فلما صار في عمله لقيهم ، وصار معهم حتى نزل المعتمد منزلا قبل وصوله إلى عمل المعتمد ابن طولون ، فلما أصبح ارتحل الأتباع والغلمان الذين مع [ والعسكر ] ، وبقي معه القواد فقال لهم : إنكم قد قربتم من عمل المعتمد ابن طولون والمقيمين بالرقة من قواد ، وأنتم إذا صرتم إلى ابن طولون فالأمر أمره ، وأنتم من تحت يده ، أفترضون بذلك وقد علمتم إنما هو كواحد منكم .
وجرت بينهم وبينه في ذلك مناظرة حتى تعالى النهار ، ولم يرتحل لاشتغال القواد بالمناظرة بينهم ، ولم يجتمع رأيهم على شيء . فقال لهم المعتمد ابن كنداج : [ ص: 223 ] قوموا بنا حتى نتناظر في غير هذا الموضع ، وأكرموا مجلس أمير المؤمنين عن ارتفاع الأصوات فيه . فأخذ بأيديهم وأخرجهم من مضرب ، وأدخلهم مضرب نفسه ، لأنه لم يكن بقي مضرب غير مضربه ، فلما دخلوا حضر بالقيود ، فشد غلمانه عليهم ، فقيدوهم ثم مضى إلى المعتمد فعدله في شخوصه عن دار ملكه وملك آبائه ، وفراقه أخاه على الحال التي هو بها ، ثم رده إلى المعتمد سامراء في شعبان ، فخلع على ابن كنداج ، وسمي ذا السيفين .
صاعد بالعلاء في الكتب ، وعقد له على بلاد ، وانحدر وخرج الأمر في هذه السنة بتكنية صاعد إلى الموفق ، واستخلف ابنه العلاء ، وسمي صاعد : ذا الوزارتين ، وكانوا قد عزموا أن يسموه : ذا التدبيرين . فقال لهم أبو عبيد الله : لا تسموه بشيء ينفرد به ، ولكن سموه : ذا الوزارتين ، أو ذا الكفايتين ، ليكون مضافا إليكم . فسموه ذا الوزارتين .
وروى قال : حدثني أبو بكر الصولي المعلى بن صاعد قال : الموفق بصاعد ، وضمنوه بمال عظيم ، وجعلوا الرقعة تحت ذنب طائر ، وأطلقوه ، وكان أبي قد أنكر من سعوا إلى الموفق شيئا ، فعزم أن يحمل إليه مائتي ألف درهم كانت عنده ، ثم قال : والله لا فعلت ، ولأتصدقن بمائة ألف درهم منها . ففعل ذلك في غداة ذلك اليوم الذي ركب فيه زورقا ، فبينا هو يسير إذ سقط في زورقه طائر ، فأخذ فوجدت فيه رقعة فقرأها صاعد ، فإذا هي سعاية به ، فعلم أن الله تعالى كفاه لأجل صدقته ، ودخل إلى الموفق فأراه الطائر ، وأراه الرقعة ، وعرفه ما عمل ، فعظم في عينه ، وجلت مكانته عنده ، وقال : ما فعل الله بك هذا إلا لخير خصك به .
وفي هذا الشهر : الموفق قصر ملك الزنج ، وانتهبوا ما فيه ، وذلك [ ص: 224 ] أن أحرق أصحاب الموفق عاود الخصومة ، فدخل أصحابه إلى قصر من تلك القصور ، فانتهبوا وأحرقوا واستنقذوا نسوة كن فيه ، وقصدوا إحراق دار الزنجي ، فتعذر عليهم لكثرة الحماة عنها ، يرمون من فوق السور بالنشاب والحجارة ، واستأمن إلى أبي أحمد محمد بن سمعان كاتب الخبيث ووزيره ، فاجتمع أصحاب الموفق ، وحملوا فأحرقوا الدار ، فخرج الخبيث هاربا ، وترك جميع أمواله ، فانتهب ما لم يأت عليه النار ، وأصاب الموفق سهم في ثندوته اليسرى ، فشارف الموت ، فتصدقت عنه أمه بوزنه ورقا ، فكان ثلاثين ألف درهم حين سلم ، ثم مرض الموفق مدة ، فاشتغل الخبيث بإصلاح ما تشعث ، فلما عوفي [ الموفق ] عاود القتال ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، واستخرج نساء وأطفالا كن بأيديهم .
فسأل ولد الخبيث الأمان فأجابه أبو أحمد ، فعلم الأب ، فرد الولد عن ذلك العزم ، فعاد إلى القتال ، واستأمن خلق كثير فأمنهم ، وخلع عليهم ، وصار قواده يقاتلون ، فاستوحشوا من ذلك ، وتجاسروا وتخافوا ، فجمع الموفق جنده وهم يزيدون على خمسين ألفا ، والسفن الكثيرة يزيد ملاحوها على عشرة آلاف ، وتأجج القتال ، فتلقاهم العدو ، واشتد القتال ، فهزم العدو ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وأسر جماعة كثيرة ، ونجا الخبيث إلى داره ، وجمع أصحابه للمدافعة عنها ، فلم يقدروا ، فدخلها أصحاب أبي أحمد وأحرقوها ، وما بقي فيها من متاع ، وأمر الموفق بنساء الخبيث وأولاده ، فحملوا إلى الموفقية والتوكيل بهم ، وكان قد تغلب على حرم المسلمين ، وجاءه منهن الأولاد .
وحج بالناس في هذه السنة : هارون بن محمد الهاشمي .