1500 - . جعفر المتوكل [على الله
كان السبب في قتله : أنه أمر بإنشاء كتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وإقطاعها الفتح بن خاقان ، فكتب الكتب بذلك ، وصارت إلى الخاتم ، على أن تنفذ يوم الخميس لخمس خلون من شوال ، فبلغ ذلك وصيفا ، وكان أراد أن يصلي بالناس آخر جمعة بقيت من رمضان ، فاجتمع الناس واحتشدوا ، وخرج المتوكل بنو هاشم من بغداد لرفع القصص وتكليمه إذا ركب ، فلما أراد الركوب قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان : يا أمير المؤمنين ، قد اجتمع الناس وكثروا ، فبعض متظلم ، وبعض طالب حاجة ، فإن رأيت أن تأمر بعض ولاة العهد بالصلاة ، فعلت ، فأمر المنتصر ، فلما نهض المنتصر ليركب قالا : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا أن تأمر لتشرفه بذلك ، فقد اجتمع أهل بيته . [ ص: 356 ] المعتز بالله
فأمر المعتز فركب ، وأقام المنتصر في منزله ، فلما فرغ المعتز من خطبته قام إليه عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه ، ثم رجع في الموكب فدخل على أبيه ، فقال داود بن محمد الطوسي : قد والله رأيت الأمين والمأمون والمعتصم ، فما رأيت رجلا على المنبر أحسن قواما [وبديهة ] من والواثق . المعتز بالله
وخرج يوم الفطر وقد ضرب له المصاف نحو من أربعة أميال ، وترجل الناس بين يديه ، فصلى ورجع ، فأخذ حفنة من تراب ، فوضعها على رأسه ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني رأيت [كثرة ] هذا الجمع فأحببت أن أتواضع لله عز وجل . المتوكل
وأهدت إليه أم ولده ثوبا فقطعه نصفين ورده إليها ، وقال : أذكرتني به ، فو الله إن نفسي تحدثني أني لا ألبسه ، ولا أحب أن يلبسه أحد بعدي ، ولذلك شققته ، ثم جعل يقول لندمائه : أنا والله مفارقكم عن قليل ، وكثر عبثه بابنه المنتصر تارة يشتمه ، وتارة يتهدده بالقتل ، والتفت إلى الفتح فقال : برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تلطمه - يعني المنتصر - فقام إليه الفتح ، فلطمه لطمتين وقال :
اشهدوا أني قد خلعته . فانصرف على غضب ، فواعد الأتراك على قتل إذا [ ص: 357 ] ثمل ، فما كانت إلا ساعة حتى دخل الأتراك عليه فقتلوه وقتلوا معه المتوكل الفتح بن خاقان .
وذلك ليلة الأربعاء ، وقيل : ليلة الخميس بعد العتمة بساعة ، لأربع ليال خلون من شوال ، وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام ، وهو ابن أربعين سنة .
وقد حكى إبراهيم بن عرفة أن جارية من جواري قالت : أصابه هم ، وعرض له فكر ، فجلس وحده ثم قال : جئيني ببرنية فيها غالية ، فجئته بها ، فجعل يبندقها ويرمي بها ، ثم جلس [يقرأ القرآن على ] الشراب ، فما شعر إلا وقد دخل عليه جماعة من القواد يتقدمهم غلام ابنه المتوكل المنتصر الذي يسمى باغر ، فدنا منه ، فضربه ، وتتابع القواد بالضرب ، وألقى الفتح بن خاقان نفسه عليه فقتل معه ، وكان باغر [قد ] قال للقواد : إني أتقدمكم ، فإن خفتم على أنفسكم فقعوا علي فاقتلوني وقولوا : دخل مكانا لم يكن له دخوله .
وذكر ابن عرفة أنه حضر مغنيا فغناه ، [فقال له أحمد بن أبي العلاء ] :
يا عاذلي من الملام دعاني أن البلية فوق ما تصفان [زعمت بثينة أن رحلتنا غدا
لا مرحبا بغد فقد أبكاني ]
فتطير من هذا وقال : ويحك كيف وقع لك أن تغني بمثل هذا ، فذهب ليغنيه بغيره ، فأعاده ، فقالوا : اصرفوا المهين ، ثم عاد فدعا المغني فغنى الصوت ، واغتم المتوكل وكان [قد ] وصف له سيف لم ير مثله فابتاعه فاختار المتوكل باغر فوهبه له ، فيقال : إنه قتله به .
[أخبرنا قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أحمد بن علي الخطيب الحافظ قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال : حدثني أبي ، حدثنا محمد بن عبد الواحد قال : أخبرني أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان ] الطيالسي قال : أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال : غارت زمزم ليلة من الليالي فأرخناها ، فجاءنا الخبر أنها الليلة التي قتل فيها . المتوكل
[أخبرنا قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ قال : أخبرنا الأزهري قال : أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري ، حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد النيسابوري قال : حدثنا سعيد بن عثمان الحناط قال :
حدثنا ] علي بن إسماعيل قال : رأيت جعفرا المتوكل في النوم وهو في النور جالس قلت : ؟ فقال : المتوكل قلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ المتوكل
قال : بقليل من السنة أحييتها .
أخبرنا قال أخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي الخطيب محمد بن [ ص: 359 ] أحمد بن رزق قال أخبرنا محمد بن يوسف بن حمدان الهمذاني قال : [حدثنا أبو علي الحسن بن يزيد الدقاق قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الحارثي ، حدثنا عمر بن عبد الله الأسدي قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن العلاء ] قال : قال لي عمرو بن شيبان الحلبي : رأيت في الليلة التي قتل فيها في النوم حين أخذت مضجعي ، كأن آتيا أتاني فقال لي : المتوكل
يا نائم الليل في أقطار جثماني أفض دموعك يا عمرو بن شيبان
أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلت بالهاشمي وبالفتح بن خاقان
وافى إلى الله مظلوما فضج له أهل السماوات من مثنى ووحدان
وسوف تأتيكم أخرى مسومة توقعوها لها شأن من الشان
فابكوا على جعفر وابكوا خليفتكم فقد بكاه جميع الإنس والجان
قال أبو عبد الله : ثم رأيت بعدها بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى ، فقلت له : ما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي . قلت : بماذا ؟ قال : بقليل من السنة تمسكت بها . قلت : فما تصنع ها هنا ؟ قال : أنتظر ابني المتوكل محمدا أخاصمه إلى الله الحليم ، العظيم ، الكريم . [ ص: 360 ]
[أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ] أخبرنا ناصر بن المبارك بن عبد الجبار قال :
أخبرنا الجوهري قال : أخبرنا قال : أخبرنا ابن حيوية محمد بن خلف قال : أخبرني أبو العباس المروزي قال : أخبرني بعض أهل الأدب أنه كان للمتوكل جارية يقال لها محبوبة ، وكانت من الجمال والإحسان على غاية ، ومن الغناء على غاية ، وكان يجد بها وجدا شديدا ، وكانت له على مثل ذلك ، فلما كان من المتوكل ما كان ففرق الجواري إلى القواد ، فصارت المتوكل محبوبة إلى وصيف ، وكان لباسها البياض الحسن ، وكانت تذكره فتشهق وتنتحب ، فجلس وصيف يوما للشراب وجلس الجواري اللائي كن للمتوكل في الحلي والحلل ، وجاءت محبوبة في معجر أبيض فقال وصيف : غنين فما بقيت واحدة منهن إلا غنت وطربت وضحكت [إلى أن ] أومأ إلى محبوبة بالغناء ، فقالت : إن رأى الأمير أن يعفيني ، فأبى ، فقلن لها الجواري : لو كان في الحزن فرج لحزنا معك ، وجيء بعود ، فوضع في حجرها فسوته وأنشأت تقول :
أي عيش يطيب لي لا أرى فيه جعفرا ملك قد رأته عيني جريحا معفرا
كل من كان سالما وسقيما فقد برا غير محبوبة التي لو ترى الموت يشترا
لاشترته بما حوته جميعا لتقبرا
فاشتد ذلك على وصيف ، فأمر بإخراجها ، فصارت إلى قبيحة ، فلما كان بعد هنية سأل عنها وصيف فقيل له : صارت إلى قبيحة ، فبعث إليها فقالت : تمسحت ومضت ، فو الله ما أدري إلام صارت .
1501 - الحسن بن الجنيد [بن ] أبي جعفر ، [البلخي ] .
بلخي الأصل ، حدث عن وغيره ، روى عنه وكيع . [ ص: 361 ] ابن أبي الدنيا
وتوفي في هذه السنة .
1502 - عبد الله بن محمد بن إسحاق ، أبو عبد الرحمن الأذرمي .
سمع ، سفيان بن عيينة وغندرا ، ، و وهشيم بن بشير [إسماعيل ] بن علية وغيرهم ، روى عنه : ، وقال : كان ثقة ، أبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني وابنه ، وغيرهم . وابن صاعد
وقد كان استحضر رجلا من أهل أدنة للمحنة ، فناظر الواثق ابن أبي دؤاد بحضرته ، فظهر على ابن أبي دؤاد ، فيقال : إنه هذا الرجل .
وقد رويت لنا [هذه ] القصة مختصرة ومطولة ، فأما المختصرة :
فأخبرنا قال : أخبرنا [أبو منصور ] القزاز قال : أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب محمد بن الفرج بن علي البزار قال : حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن موسى ، قال حدثنا جعفر بن شعيب قال : حدثنا محمد بن يوسف الشاسي قال :
حدثني إبراهيم بن منبه قال : سمعت طاهر بن خلف يقول : سمعت المهتدي بالله ابن الواثق يقول : كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس فأتي بشيخ مخضوب مقيد ، فقال أبي : ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه يعني ابن أبي دؤاد ، فأدخل الشيخ فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين . فقال : لا سلام الله عليك . فقال : يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك به مؤدبك ، قال الله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها . فقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين ، الرجل متكلم فقال له كلمة . فقال له : يا شيخ ، ما تقول في القرآن . فقال له الشيخ : لم تنصفني - يعني ولني السؤال - فقال : قل ، فقال [له ] الشيخ : ما تقول في القرآن ؟
[ ص: 362 ]
فقال : مخلوق . فقال : هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه ؟ فقال : [شيء لم يعلموه . فقال : ] سبحان الله ، شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، ولا ، ولا عمر عثمان ، ولا علي ، ولا الخلفاء الراشدون ، علمته أنت ؟ ! قال : فخجل ، فقال : أقلني . فقلت والمسألة بحالها . قال : نعم . قلت : ما تقول في القرآن ؟ فقال : مخلوق . قال : هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، والخلفاء الراشدون ، أم لم يعلموه فقال : شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه ، فقال : أفلا وسعك ما وسعهم ؟ قال :
ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول : هذا شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ، ولا أبو بكر ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت ، سبحان الله ، شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم ، علي ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، والخلفاء الراشدون ، ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم ، ثم دعا عمار الحاجب ، وأمر أن ترفع عنه القيود ، وأن يعطى أربعمائة دينار ، ويؤذن له في الرجوع ، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدا .
وأما القصة المطولة : فأخبرنا قال : أخبرنا [أبو منصور ] القزاز الخطيب
[ ص: 363 ]
[أحمد بن علي ] قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال : أخبرنا أحمد بن سندي الحداد قال : قرئ على أحمد بن الممتنع وأنا أسمع ، قيل له : أخبركم صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي قال : حضرت أمير المؤمنين ، وقد جلس للنظر في أمور المتظلمين في دار العامة ، فنظرت في بعض قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها ، فيأمر بالتوقيع فيها ، وينشأ الكتاب عليها ، ويحرر [ويختم ] وتدفع إلى صاحبها بين يديه ، فسرني ذلك واستحسنت ما رأيت ، فجعلت أنظر [إليه ] ففطن ونظر إلي ، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارا ثلاثة ، إذا نظر إلي غضضت ، وإذا شغل نظرت ، فقال لي : يا المهتدي بالله صالح قلت : لبيك يا أمير المؤمنين ، وقمت قائما . فقال : في نفسك [مني ] شيء تريد أن تقوله ؟ قلت :
نعم يا سيدي ، فقال لي : عد إلى موضعك ، [فعدت ] وعاد إلى النظر حتى إذا قام قال للحاجب : لا يبرح صالح ، وانصرف الناس ، ثم أذن لي ، وأهمتني نفسي ، فدخلت فدعوت له ، فقال : اجلس فجلست فقال لي : يا صالح تقول لي ما دار في نفسك وأقول أنا ، ما دار في نفسي [قلت : ] يا أمير المؤمنين ، ما تعزم عليه ، وتأمر به ، فقال أقول أنا إنه دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا ، فقلت :
أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول إن القرآن مخلوق فورد على [قلبي ] أمر عظيم ، ثم قلت : يا نفس ، هل تموتين قبل أجلك ، وهل تموتين إلا مرة ، وهل يجوز الكذب في جد أو هزل ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما دار في نفسي إلا ما قلت . فأطرق مليا ، ثم قال : ويحك ، اسمع مني ما أقول ؟ فو الله لتسمعن الحق ، فسري عني . ثم قلت : يا سيدي ، ومن أولى بقول الحق منك وأنت خليفة رب العالمين ، وابن عم [ ص: 364 ] سيد المرسلين ؟ فقال : ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدرا من أيام ، حتى أقدم الواثق أحمد بن أبي دؤاد علينا شيخا من أهل الشام من أهل أدنة ، فأدخل الشيخ على مقيدا ، وهو جميل الوجه ، تام القامة ، حسن الشيبة ، فرأيت الواثق قد استحيى منه ، ورق له ، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه ، فسلم الشيخ فأحسن ، ودعا فأبلغ وأوجز ، فقال له الواثق : اجلس . فجلس ، فقال [له ] : ناظر الواثق ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه .
فقال له الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ابن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن المناظرة . فغضب وعاد إلى مكان الرقة له غضبا عليه وقال : الواثق أبو عبد الله بن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن مناظرتك أنت ! ؟ فقال الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك ، وأذن في مناظرته . فقال : ما دعوتك إلا للمناظرة . فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول [قال : أفعل ] قال الشيخ : يا الواثق أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين ، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بما قلت . قال : نعم . قال الشيخ : يا أحمد ، أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله إلى عباده ، هل ستر [رسول الله ] شيئا مما أمره الله به في أمر دينهم ؟ فقال : لا . قال الشيخ : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم [الأمة ] إلى مقالتك هذه ؟ فسكت أحمد بن أبي دؤاد . فقال الشيخ : تكلم . فسكت ، فالتفت الشيخ إلى فقال : يا أمير المؤمنين واحدة ، فقال الواثق : واحدة . فقال الشيخ : يا الواثق أحمد ، أخبرني عن الله تعالى حين أنزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا هل كان الله الصادق في إكمال دينه ، وأنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك ، فيتم ؟ فسكت ابن أبي دؤاد . فقال
[ ص: 365 ]
الشيخ : أجب يا أحمد . فلم يجب ، فقال للشيخ : يا أمير المؤمنين ، اثنتان . فقال : نعم اثنتان . فقال الشيخ : يا الواثق أحمد ، أخبرني عن مقالتك هذه ، علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها ؟ قال ابن أبي دؤاد : علمها . قال : فدعا الناس إليها ؟ فسكت . قال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، ثلاث . فقال : ثلاث . قال الشيخ : يا الواثق أحمد ، فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن علمها وسكت عنها كما زعمت ، ولم يطالب أمته بها ؟ قال :
نعم . قال الشيخ : أو اتسع ، لأبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان وعلي رضي الله عنهم ؟ قال ابن أبي دؤاد : نعم . فأعرض الشيخ عنه ، وأقبل على فقال : الواثق
يا أمير المؤمنين ، قد قدمت القول بأن أحمد يصبو ويضعف عن المناظرة ، يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لنا الإمساك عن هذه المقالة كما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع . فقال : نعم ، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الواثق ، ولأبي بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، فلا وسع الله علينا ، اقطعوا قيد الشيخ . فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه ، فجاذبه الحداد عليه ، فقال : دع الشيخ يأخذه . فأخذه فوضعه في كمه . فقال له الواثق : يا شيخ ، لم جاذبت الحداد عليه ؟ قال : لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة ، وأقول : يا [ ص: 366 ] رب ، سل عبدك هذا لم قيدني ! وروع أهلي وولدي وإخواني [من غير شيء ] أوجب ذلك علي ؟ وبكى الشيخ ، وبكى الواثق ، وبكينا ، ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله ، فقال له الشيخ : والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كنت رجلا من أهله . فقال الواثق : لي إليك حاجة . فقال الشيخ : إن كانت ممكنة فعلت ، فقال : تقيم قبلنا ، فننتفع بك وينتفع [بك فتياننا ] فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ، إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي [عندك ] ، وأخبرك بما في ذلك : أصير إلى أهلي وولدي ، وأكف دعاءهم عليك ، فقد خلفتهم على ذلك . فقال له الواثق : فتقبل منا صلة تستعين بها على رجوعك ودهرك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تحل لي ، أنا عنها غني ، وذو مرة سوي . فقال : سل حاجة . قال : أو تقضيها ؟ قال : نعم . قال : فأذن لي أن يخلى سبيلي الساعة إلى الواثق الثغر . قال : إني قد أذنت لك . فسلم وانصرف . قال [صالح بن علي قال ] : فرجعت عن هذه المقالة ، وأظن أن المهتدي قد كان رجع عنها [منذ ذلك الوقت ] . [ ص: 367 ] الواثق
أخبرنا القزاز قال أخبرنا [أبو بكر بن علي ] الخطيب قال أخبرنا عبد الله بن علي بن حمويه قال : سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ يحدث الشيخ الأدنى ومناظرته مع ابن أبي دؤاد بحضرة ، فقال : الشيخ هو الواثق أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدرمي .
1503 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد ، أبو الفضل الأسدي الرقي .
سمع أباه ، روى عنه أبو عروبة الحراني ، وكان قاضي الرقة ، ولي القضاء ببغداد في أيام ، وكان عفيفا ، فصرفه المتوكل ، فبعث يحيى بن أكثم عهدا إلى المتوكل بغداد ، ولم يسم القاضي ، وقال : إن رضوا به فليدفع العهد إليه . فرضوا به . فظاهر هذا أنه ولي قضاء بغداد مرتين .
وسئل الإمام أحمد عن الوابصي فأحسن القول فيه ، وقال : ما بلغني عنه إلا خير .
توفي في هذه السنة بالرقة ، وقيل : في سنة تسع ، والله أعلم . [ ص: 368 ]
خاتمة الناسخ
تم الجزء بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في ذي الحجة الحرام سنة أربع وثمانمائة . أحسن الله عاقبتها بخير في عافية بمنه وكرمه ، غفر الله لمن استكتب وكتب ، ولمن نظر ودعا لهما بالمغفرة والرحمة والرضوان ودخول الجنان برحمة الرحيم الرحمن . آمين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
يتلوه في الجزء الذي بعده : "ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائتين" .