[ ص: 189 ] كان خطيبا شاعرا بليغا ، وكان منقطعا إلى البرامكة ، فوصفوه ووصلوه به ، فبلغ عنده [كل] مبلغ ، ومدح للرشيد وغيره من الخلفاء ، ثم كان يتجنب غشيان السلاطين ، ويلبس الصوف زهدا . ومن أشعاره في الزهد : الرشيد
ألا قد نكس الدهر فأضحى حلوه مرا وقد جربت من فيه
فلم أحمدهم طرا فألزم نفسك اليأس
من الناس تعش حرا
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم وخبرت من وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا وإذا المودة أكبر الأنساب
أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال : أخبرنا قال : أخبرني أبو الفرج الأصبهاني علي بن سليمان ، عن محمد بن يزيد قال : كتب في إشخاص المأمون كلثوم بن عمرو العتابي فلما دخل عليه قال : يا كلثوم ، بلغتني وفاتك فساءتني ، ثم بلغتني وفادتك فسرتني فقال : يا أمير المؤمنين ، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما ، وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية ، ولا ينبسط لسواه أمل ، لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك .
قال : سلني [ما شئت] ، قال : يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسؤال فوصله صلات سنية ، بلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني ، أخبرنا ، حدثنا أبو بكر الأنباري الحسن بن علي العنزي ، حدثنا النضر العجلي قال : كتب إلي عبد الجبار بن كثير يقول : حدثنا حسن الصوفي قال : قال لي العتابي كلثوم بن عمرو : قدمت مرة [على أبي عمار بوقر كتبا ، فقال : ما عليه؟ قلت : كتب . قال : والله ما ظننته إلا مالا فعدلت] إلى يعقوب بن صالح ، فدخلت عليه فأنشدته :
حسن ظني إليك أصلحك الله دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله أن قال مفصحا إفصاحا
إن أردتم حوائجا من أناس فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجها ما به خاب من أراد النجاحا
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أحمد بن علي [بن حسين] المحتسب ، أخبرنا ، أخبرنا المعافى بن زكريا أبو بكر بن دريد قال : قال مالك بن طوق للعتابي : رأيتك كلمت فلانا فأقللت كلامك؟ قال : نعم ، كان معي حيرة الداخل ، وفكرة صاحب الحاجة ، وذل المسألة ، وخوف الرد مع شدة الطمع .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي ، أخبرنا قال : ذكر أبو الفرج الأصفهاني أحمد بن أبي طاهر بن عبد الله بن أبي سعيد : أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم السيادي قال : لما قدم العتابي مدينة السلام على أذن له ، فدخل عليه وعنده المأمون إسحاق الموصلي ، وكان العتابي شيخا جليلا ، فسلم فرد عليه فأدناه فقبل يده ، ثم أمره بالجلوس ، فجلس وأقبل عليه فسأله عن حاله وهو يجاوبه بلسان طلق فاستظرف ذلك منه ، وأقبل عليه يداعبه ويمزح ، فظن الشيخ أنه استخف به ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الإيناس قبل الإبشاش فاشتبه على المأمون قوله ، فنظر إلى المأمون إسحاق مستفهما ، فأومأ إليه بعينه ، وغمزه حتى فهم ، ثم قال : يا غلام ، ألف دينار . فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي ، وأخذوا في الحديث .
ثم غمز المأمون إسحاق عليه ، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فبقي العتابي متعجبا ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، أتأذن في مسألة هذا الشيخ عن اسمه ، قال : نعم سله . فقال [لإسحاق]: [ ص: 192 ] يا شيخ ، من أنت ، وما اسمك؟ فقال : أنا من الناس ، واسمي كل بصل فتبسم العتابي ، ثم قال : أما النسب فمعروف ، وأما الاسم فمنكر فقال له إسحاق : إنما قل إنصافك ، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل ، واسمك كل ثوم ، وما كلثوم في الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال له العتابي : لله درك ، ما أرجحك أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني به . فقال له : ذلك موفر عليك ، ونأمر له بمثله ، فقال له المأمون إسحاق أما إذ أقررت بهذه فتوهمني تجدني . فقال له : ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره ؟ قال : أنا حيث ظننت ، وأقبل عليه بالتحية والسلام ، فقال له وقد طال الحديث بينهما - أما إذا اتفقتما على المودة فانصرفا . فانصرف المأمون العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده .
وقد روينا أن العتابي دخل على فأنشده : عبد الله بن طاهر
حسن ظني وحسن ما عودني الله سواء منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من حسن يقين حدا إليك ركابي
ودك يكفيني في حاجتي ورويتي كافية عن سؤالي
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي وإنما كفاك رأس مالي
بهجات الشباب يخلقها الدهر وثوب الثناء غض جديد
[ ص: 193 ] فاكسني ما يبيد أيدك الله فإني أكسوك ما لا يبيد
ما زلت في غمرات الموت منطرحا قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي حتى اختلست حياتي من يد الأجل
سماه الرشيد المؤتمن ، وخطب له بالخلافة بعد الأمين ، وعقد فيما عقد له أن الأمر إذا صار إلى والمأمون كان أمر المؤمنين مفوضا إليه ، إن شاء أقره وإن شاء [عزله] واستبدل به من أراد من أخوته وولده ، فلما صار الأمر إلى المأمون خلعه المأمون في سنة ثمان وتسعين ، وكتب بخلعه إلى الآفاق وترك الدعاء له على المنابر . [ ص: 194 ] المأمون
وتوفي المؤتمن ببغداد في [صفر] هذه السنة ، وله خمس وثلاثون سنة ، وحضره وصلى عليه . المأمون
1165 - محمد بن إسماعيل [بن يوسف ، أبو إسماعيل السلمي ] الترمذي .
سمع محمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبا نعيم وقبيصة ، وغيرهم ، ، سكن وكان ثقة فهما متقنا مشهورا بمذاهب السنة بغداد وحدث بها ، فروى عنه : أبو بكر بن أبي الدنيا ، وابن صاعد ، ، وروى عنه : والمحاملي أبو عيسى الترمذي ، وأبو عبد الرحمن النسائي في كتابيهما . وقال : هو رجل ثقة كثير العلم . أبو بكر الخلال
قال : توفي بمدينتنا لأيام مضت من رمضان سنة ثمان ومائتين . [ابن] المنادي
1166 - مسلم بن الوليد ، أبو الوليد الأنصاري ، مولى أسعد بن زرارة الخزرجي .
[شاعر] قدم على ومدحه ، فسماه صريع الغواني ، لقوله : الرشيد
هل العيش إلا أن تروح مع الصبا وتغدو صريع الكأس والأعين النجل
تجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
قبحت مناظره فحين خبرته حسنت مناظره بقبح المخبر
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب القبر دل على القبر
إن العيون التي في طرفها مرض قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
أفدنا من عندك قال : قول مسلم بن الوليد صريع الغواني :
نبارز أبطال الوغى فنصدهم وتقتلنا في السلم لحظ الكواعب
وليست سهام الحرب تفني نفوسنا ولكن سهام فوقت في الحواجب
1167 - معاذ بن المثنى [بن معاذ] ، أبو المثنى العنبري .
سكن بغداد ، وحدث بها عن مسدد ، ، روى عنه : والقعنبي ، صاعد بن مخلد . [ ص: 196 ] وكان ثقة
توفي في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن في مقابر باب الكوفة إلى جنب . الكديمي
1168 - أبو معاوية الأسود ، واسمه : اليمان .
أخبرنا أبو بكر العامري قال : أخبرنا ابن أبي صادق قال أخبرنا قال : حدثنا ابن باكويه عبد العزيز بن الفضل ، حدثنا محمد بن أحمد المروروذي ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا نصير بن الفرج قال : كان قد ذهب بصره ، وكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف وفتحه فيرد الله عليه بصره ، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره . معاوية
أخبرنا قال : أخبرنا ابن ناصر علي بن محمد العلاف ، أخبرنا أبو الحسن الحمامي ، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطابي ، حدثنا أبو علي الحسين بن الفهم قال : سمعت يقول : رأيت يحيى بن معين أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها ، فقيل له : يا أبا معاوية ، إنك تكسى . فقال : ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة .
1169 - يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، أبو يوسف الزهري .
[سكن بغداد ، و] حدث عن أبيه عن ، روى عنه : شعبة أحمد ، ويحيى ، وعلي ، . [ ص: 197 ] وأبو خيثمة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا الأزهري ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا أحمد بن معروف ، حدثنا ، حدثنا الحسين بن فهم محمد بن سعد . قال : يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، تقدم على أخيه في الفضل والورع والحديث ، ثم لم يزل كان ثقة مأمونا ببغداد ثم خرج إلى - وهو الحسن بن سهل بفم الصلح - فلم يزل معه حتى توفي هناك في شوال سنة ثمان ومائتين ، وكان أصغر من أخيه سعد بأربع سنين .
1170 - يونس بن محمد بن مسلم ، أبو مسلم المؤدب .
سمع الحمادين . روى عنه : والليث أحمد ، وعلي ، ، وأبو خيثمة . وكان ثقة صدوقا
توفي في صفر هذه السنة .