895 - ، بشار بن برد ، أبو معاذ الشاعر مولى عقيل .
ولد أعمى ، وكان يشبه الأشياء في شعره ، فيأتي بما لا يقدر البصراء عليه ، فقيل [له] يوما وقد قال:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه ، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط؟فقال: إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ، ويقطع عنه الشغل بما تنظر إليه من الأشياء ، فيتوفر حسه وتذكو قريحته .
وكان يقول: الأصمعي بشار خاتمة الشعراء ، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم .
قال كان الجاحظ: بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومرواج وسجع ورسائل ، وهو المقدم من الشعراء المحدثين وهو بصري قدم بغداد .
وقال أبو تمام الطائي: أشعر الناس وأشبههم في الشعر كلاما بعد الطبقة الأولى بشار ، والسيد وأبو نواس ، ومسلم بن الوليد بعدهم .
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قال بشار الشعر ولم يبلغ عشر سنين ، وقال ثلاثة عشر ألف بيت جيد ، ولا يكون عدد شعر الجاهلية والإسلام هذا العدد .
قال: وكان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة يقال لها عبيدة ، فخرجت عن البصرة مع زوجها إلى عمان [فقال بشار] :
هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت وأشهى لقلبي أن تهب جنوب
وما ذاك إلا أنها حين تنتهي تجيء وفيها من عبيدة طيب
[ ص: 290 ] عذيري من العذال يعذلونني شفاها وما في العاذلين لبيب
يقولون لو عزيت قلبك لارعوى فقلت وهل للعاشقين قلوب
إذا انطلق القوم الجلوس فإنني مكب كأني في الجميع غريب
قال: الذي يقول:
ولها مبسم كثغر الأقاحي وحديث كالوشي وشي البرود
نزلت في السواد من حبة القلب وزادت زيادة المستزيد
عندها الصبر عن لقائي وعندي زفرات يأكلن صبر الجليد
فبلغ أن المهدي بشارا قد هجاه ، وشهد قوم أنه زنديق ، فأمر بضربه ، فضرب ضرب التلف ، فمات في هذه السنة . وقيل: في سنة ثمان ، وقد بلغ نيفا وتسعين سنة . المهدي
896 - ، جعفر بن زياد ، أبو عبد الله وقيل: أبو عبد الرحمن الأحمر الكوفي .
حدث عن بيان بن بشر ، ومنصور بن المعتمر ، وأبي إسحاق الشيباني ، روى عنه: سفيان بن عبيدة ، وغيرهما . وكان قد خرج إلى ووكيع خراسان فبلغ عنه أمر يتعلق بالإمامة ، وأنه ممن يرى رأي المنصور الرافضة ، فوجه إليه من قبض عليه ، وحمله إلى بغداد وأودعه السجن دهرا طويلا ، ثم أطلقه .
قال هو ثقة ، وكان من يحيى بن معين: الشيعة .
توفي في هذه السنة ، وقيل: في سنة خمس وستين . [ ص: 291 ]
897 - صالح بن عبد القدوس البصري .
له شعر حسن في الزهد . صلبه في الزندقة . المهدي
[قال المؤلف] : وقد ذكرنا حاله في الحوادث .
898 - عبد الرحمن بن شريح بن عبيد الله ، أبو شريح المعافري .
روى عنه: ابن المبارك ، وابن وهب ، وكانت له عبادة وفضل . وزيد بن الحباب ،
توفي في هذه السنة بالإسكندرية .
899 - . عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
كان قد عهد عند موته إلى أخيه أبو العباس السفاح ومن بعده إلى المنصور ، عيسى بن موسى ، ومولد عيسى سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة ، فشرع بعد قتل المنصور محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن وكان قتلهما جميعا على يدي عيسى بن موسى في تأخير عيسى ، وتقديم في ولاية العهد ، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائة ، وجرت بينهما خطوب ومكاتبات وامتناع من المهدي عيسى ، ثم أجابه إلى ذلك ، فأقر به وأشهد على نفسه ، وخطب الناس وأعلمهم ما جرى من تقديم المنصور ، ورضي المهدي عيسى بذلك وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي ، فبايع الناس للمهدي ، ثم لعيسى من بعده ، فلما ولي طالب المهدي عيسى بخلع نفسه من ولاية العهد البتة وتسليمه لموسى بن المهدي ، وألح عليه إلحاحا شديدا ، وبذل له مالا عظيما ، وجرت في ذلك خطوب ، إلى أن أقدمه من الكوفة إلى بغداد وتقرر الأمر على أن يخلع نفسه ، ويسلم الأمر لموسى ، ويدفع إليه عشرة آلاف ألف ، وقيل: المهدي
عشرين ألف ألف .
وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيمانا في أهله وماله ، فأحضر من القضاة والفقهاء من أفتاه في ذلك وعوضه المهدي وأرضاه فيما يلزمه من الحنث في ماله [ ص: 292 ] ورقيقه ، فقبل ذلك ، ورضي به ، وخلع نفسه في محرم سنة ستين ومائة ، وبايع المهدي ثم المهدي ، لموسى بعده ، وأقر بذلك على المنبر ، ورجع إلى الكوفة .
فتوفي بها لثلاث بقين من ذي الحجة في هذه السنة ، وصلى عليه ابنه العباس ، وكان واجدا عليه ، ووالي المهدي الكوفة يومئذ فأشهد روح بن حاتم ، روح على وفاته القاضي وجماعة من الوجوه ، ثم دفن وله خمس وستون سنة ، وولد له واحد وثلاثون ذكرا وعشرون أنثى وورثه من الرجال ثلاثون رجلا ، ومن النساء أربع عشرة امرأة .
900 - ، عتبة بن أبان بن ضمعة وهو الذي يقال له: عتبة الغلام .
وإنما سمي بالغلام لجده واجتهاده لا لصغر سنه ، وكان كثير التعبد والبكاء ، خشن العيش ، وكان يشق الخوص ، ويصوم الدهر ، ويفطر على الخبز والملح .
أخبرنا قال: أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي المبارك بن عبد الجبار قال: حدثنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا قال: ابن صفوان
أخبرنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا عمار بن عثمان الحلبي قال: حدثنا سوار أبو عبيدة قال: بكى في مجلس عتبة الغلام عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر يبكي من حين يبدأ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم ، لا يكاد يفتر عنه ، فقيل لعبد الواحد: إنا لا نفهم كلامك من بكاء قال: وأصنع ماذا؟ يبكي عتبة الغلام ، عتبة على نفسه وأنهاه أنا ، لبئس واعظ قوم أنا .
أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أبو نعيم الأصبهاني محمد بن حيان قال: حدثنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن قال: حدثني عبد الخالق المعبدي قال: كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج إلى الشام أقفله وقال:
لا تفتحوه إلى أن يبلغكم موتي ، فلما بلغهم قتله ، فتحوه فأصابوا فيه قبرا محفورا وغلا من حديد . [ ص: 293 ]