سمع بشعره فقال: ما أحسن ما تقول ، فقال: فما لي لا أذكر في الفحول؟ قال: قصر بك عن غاياتهم بكاؤك في الدمن ، ووصفك للأبعار والعطن . الفرزدق
وكان يتشبب بمي بنت طلحة بن عاصم المنقري ، وكانت تسمع شعره ولا تراه ، فجعلت لله أن تنحر بدنة إذا رأته ، فلما رأته رأت رجلا أسود دميما ، فقالت: وا سوءتاه ، كأنها لم ترضه .
قال أبو سوار الغنوي : رأيت ميا ، وكانت مسنونة الوجه ، طويلة الخدين ، شماء الأنف ، عليها وسم جمال . [ ص: 73 ]
قال محمد بن سلام : كانت مولدة لابن قيس بن عاصم تسمى كثيرة قالت بيتين: نحلتهما ذا الرمة ، وهما:
على وجه مي مسحة من ملاحة وتحت الثياب الخزي لو كان باديا ألم تر أن الماء يخبث طعمه
ولو كان لون الماء في العين صافيا
وكانت مية عند ابن عم لها يقال له عاصم ، فقال فيها: ذو الرمة
ألا ليت شعري هل يموتن عاصم ولم يشتعبني للمنايا شعوبها
رمى الله من حتف المنية عاصما بقاصمة يدعى لها فيجيبها
وقال أبو زياد الكلابي : خرقاء من بني عامر بن صعصعة .
قال : كان سبب تشبيبه بخرقاء أنه مر في بعض أسفاره فإذا خرقاء خارجة من خباء ، فنظر إليها فوقعت في قلبه فخرق أداوته ليستطعم كلامها ، ثم قال لها: إني رجل على ظهر سفر وقد تخرقت أدواتي فأصلحيها ، فقالت: لا والله لا أحسن العمل ، وإني لخرقاء ، والخرقاء لا تحسن العمل لكرامتها على أهلها . الأصمعي
وروى عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي ، عن منهال السدوسي قال: حدثني رجل من قريش: أنه سلك طريق مكة للحج فعدل عن الطريق فرأى امرأة ، فقال لها: من أنت؟ فقالت: أو ما تعرفني وأنا أحد مناسكك؟ قال: ومن أنت؟ قالت: خرقاء صاحبة ذي الرمة الذي يقول فيها:
تمام الحج أن تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام
أخرقاء للبين استقلت حمولها نعم غربة فالعين يجري مسيلها
كأن لم يرعك الدهر بالبين قبلها لمي ولم يشهد فراقا نزيلها
أنبأنا علي بن عبيد الله بن نصر ، عن أبي جعفر بن المسلمة ، عن أبي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني ، قال: حدثني أبو صالح الفزاري ، قال: ذكر في مجلس فيه عدة من الأعراب ، فقال ذو الرمة عصمة بن مالك الفزاري شيخ منهم بلغ مائة وعشرين سنة: إياي فاسألوا عنه ، كان حلو العينين ، حسن المضحك ، براق الثنايا ، خفيف العارضين ، إذا نازعك الكلام لا تسأم حديثه ، باد بزته ، [إذا أنشد بربر] وحسن صوته ، جمعني وإياه مربع مرة ، فأتاني فقال: يا عصمة إن ميا منقرية ، ومنقر أخبث حي ، وأقفاه لأثر وأثبته في نظر ، وأعلمه بشر ، وقد عرفوا آثار إبلي ، فهل من ناقة نزدار عليها ميا ، قلت: أي والله [عندي] الجؤذر ، قال: فعلينا بها ، فجئت بها فركب وردفته ثم انطلقنا حتى نهبط حي مي ، فإذا الحي خلوف ، فلما رآنا النسوة عرفن ذا الرمة ، فتقوضن من بيوتهن حتى اجتمعن إلى مي ، وأنخنا قريبا وجئناهن فجلسنا ، فقالت ظريفة منهن: أنشدنا يا ذا الرمة ، فقال لي:
أنشدهن ، فأنشدت قوله:
وقفت على ربع لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
نظرت إلى أظعان مي كأنها ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسبلت العينان والقلب كاتم بمغرورق نمت عليه سواكبه
[ ص: 75 ] بكى وامق حال الفراق ولم تجل جوائلها أسراره ومعاتبه
وقد حلفت بالله مية ما الذي أحادثها إلا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني الله من حيث لا أرى ولا زال في أرضي عدو أجاذبه
إذا سرحت من حب مي سوارح على القلب آبته جميعا عوازبه
إذا نازعتك القول مية أو بدا لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه
فيا لك من خد أسيل ومنطق رخيم ومن خلق تعلل جادبه
فانصرفنا ، فلم يزل يختلف إليها مربعنا حتى انقضى ، ثم جاءني يوما ، فقال: يا عصمة قد ظعنت مي فلم يبق إلا الديار ، [والنظر في الآثار ، فانهض بنا إلى ديارها ، فخرجنا حتى وقف على ديارها] فجعل ينظر ثم قال:
ألا فاسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
[ ص: 76 ] وإن لم تكن في غير شام بقفرة تمر بها الأذيال صيفية كدر
قوله: "غير شام" [الشام] لون يخالف معظم لون الأرضين ، وهو جمع شامة ، أي: آثار ، كأنها شام في جيد ، وهي بقاع مختلفة الألوان مثل لون الشامة ، وإنما يريد أثر الرماد بأرض خالية . و "الصيفية" : الرياح الكدر فيها غبرة .
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة ، قالت: أخبرنا أحمد بن جعفر السراج ، قال:
أخبرنا القاضيان أبو الحسن الثوري ، وأبو القاسم التنوخي ، قالا: أخبرنا قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، محمد بن خلف ، قال: أخبرنا محمد بن الفضل ، [قال: أخبرني أبي] ، قال: أخبرنا القحذمي ، قال:
دخل ذو الرمة الكوفة فبينا هو يسير في بعض شوارعها على نجيب له رأى جارية سوداء واقفة على باب دار فاستحسنها ووقعت بقلبه فأومأ إليها وقال: يا جارية اسقيني ماء ، فأخرجت له كوزا فشرب وأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها ، فقال: يا جارية ، ما أحر ماءك؟ فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وترك حر مائي وبرده ، فقال لها:
وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى ، قالت:
فأنت الذي شبهت عنزا بقفرة لها ذنب فوق استها أم سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها وطبين مسودين مثل المحاجم
وساقين إن يستمكنا منك يتركا بجلدك يا غيلان مثل المناسم
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا أأنت أم أم سالم
قال أبو معاوية : كان حسن الصلاة ، فقيل له: ما أحسن صلاتك ، فقال: ذو الرمة
إن العبد إذا قام بين يدي الله لحقيق أن يتخشع .
وقال عيسى بن عمر : كان ينشد فإذا فرغ قال: والله لأسجنك بشيء ليس في حسابك ، سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . ذو الرمة
روى عن الأصمعي ، أبي الوجيه ، قال: كان آخر ما قال من الشعر: ذو الرمة
يا رب قد أسرفت نفسي وقد علمت علما يقينا لقد أحصيت آثاري
يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت وفارج الكرب زحزحني عن النار
كنت مع ذي الرمة حين حضرته الوفاة ، فلما أحس بالموت قال لي: يا منتجع إن مثلي لا يدفن في غموض من الأرض ولا في بطون الأودية ، فإذا أنا مت فادفني برأس فريدادين ، فلما مات جئنا بماء [وسدر وتوقلنا الرملة فحفرنا له حفرة] ودفناه فهناك قبره إذا ظعنت في الدهناء برأس فريدادين .
أخبرنا قال: أخبرنا ابن ناصر ، المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر ، قال: أخبرنا أبو الحسن الزيني ، قال: حدثنا قال: حدثني ابن المرزبان ، أحمد ابن زهير ، قال: حدثني هرقل بن مسلم ، قال: حدثني أبو هلال الأزدي ، قال: حدثني عمارة قال: سمعت ذا الرمة لما حضرته الوفاة ، [يقول: لقد مكثت مهيما بمي عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد . [ ص: 78 ]
قال ابن قتيبة : لما حضرت ذا الرمة الوفاة] قال: أنا ابن نصف الهرم ، أنا ابن أربعين سنة .
561 - همام بن منبه ، أخو وهب بن منبه ، يكنى أبا عقبة :
توفي بصنعاء في هذه السنة .