بإخوته الذين كانوا في سجن يزيد بن المهلب الحجاج . وفي هذه السنة هرب
فلحقوا بسليمان بن الملك مستجيرين به من الحجاج ، والوليد بن عبد الملك .
وسبب ذلك وسبب خلاصهم أن الحجاج خرج إلى رستقباذ للبعث ، لأن الأكراد كانوا قد غلبوا على عامة أرض فارس ، فخرج بيزيد وبإخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباذ ، فجعلهم في عسكره ، وجعل عليهم كهيئة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبا من حجرته ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ، وأغرمهم ستة آلاف ألف ، وأخذ يعذبهم ، وكان يزيد يصبر صبرا حسنا ، وكان ذلك يغيظ الحجاج ، فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة ليهيئ لهم الخيل ، وصنع يزيد طعاما كثيرا ، فأطعم الحرس وسقاهم ، ولبس يزيد ثياب طباخه ، ووضع على لحيته لحية بيضاء وخرج فرآه بعض الحرس في الليل فقال: كأنه يزيد ، ثم طالعه فقال: هذا الشيخ . وخرج المفضل في أثره ولم يفطن له ، فجاءوا إلى سفن قد هيئوها في البطائح ، وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخا ، فأبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم ، ثم جاء فركبوا السفن وساروا ليلتهم حتى أصبحوا ، ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم ، ورفع ذلك إلى [ ص: 296 ] الحجاج ، ففزع وذهب وهمه إلى أنهم ذهبوا قبل خراسان ، وبعث إلى يحذره قدومهم ، ويأمره أن يستعد لهم ، وكان يظن أن قتيبة بن مسلم يزيد يريد ما أراد ولما دنا ابن الأشعث ، يزيد من البطائح استقبلته الخيل ، قد هيئت له ولأخوته ، فخرجوا عليها ومعهم دليل من كلب ، فأخذ بهم على السماوة ، فنزل يزيد على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي ، وكان كريما على سليمان ، فجاء وهيب حتى دخل على سليمان ، فقال: هذا يزيد وإخوته في منزلي وقد أتوا هرابا من الحجاج متعوذين بك ، قال: فأتني بهم فإنهم آمنون ، لا يوصل إليهم أبدا وأنا حي ، فجاء بهم حتى أدخلهم عليه .
وكتب الحجاج: إن آل المهلب خانوا مال الله -عز وجل- وهربوا مني ولحقوا بسليمان ، وكان الوليد قد أمر الناس بالتهيؤ إلى خراسان ظنا منه أن يزيد قد ذهب إلي ثم ، فلما عرف هذا هان عليه الأمر ، وكتب سليمان إلى الوليد: إنما على يزيد ثلاثة آلاف ألف ، والحجاج قد أغرمهم ستة آلاف ألف ، [فأدوا ثلاثة آلاف ألف ، وبقي ثلاثة آلاف ألف] ، فهي علي .
فكتب إليه: لا والله لا أؤمنه حتى تبعث به إلي ، فكتب إليه: لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن معه ، فأنشدك الله أن تفضحني ولا تخفرني . فكتب إليه: والله لئن جئتني لا أؤمنه . فقال يزيد: ابعثني إليه ، والله ما أحب أن أوقع بينك وبينه عداوة ، فابعثني وأرسل معي ابنك ، واكتب إليه باللطف . فأرسل معه ابنه أيوب ، فقال: يا أمير المؤمنين ، نفسي فداؤك ، لا تخفر ذمة أبي . فأمنه وعاد إلى سليمان ، فمكث عنده تسعة أشهر وتوفي الحجاج .