الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة- : حي من يهود دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا ، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال في الهدي : زعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر ، وهذا وهم منه وغلط ، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد ، انتهى . [ ص: 331 ]

                                                                                                                                                                                                                              والزهري إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه ، وأقره الذهبي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، لكن قال البيهقي : هكذا قال ، أي أحد رواته عن الزهري ، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ ، وتقدم كلام ابن كثير في ذلك ، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة ، فنزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله [الحشر 5] .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير . قال ابن عمر : ولها يقول حسان بن ثابت :


                                                                                                                                                                                                                              وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

                                                                                                                                                                                                                              قال : فأجابه أبو سفيان بن الحراث ، أي قبل إسلامه :


                                                                                                                                                                                                                              أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في جوانبها السعير
                                                                                                                                                                                                                              ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح . ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال «وهان على سراة بني لؤي» هو أبو سفيان بن الحارث ، وإنما قال : «عز» بدل «هان» وأن الذي أجابه بقوله : «أدام الله ذلك من صنيع» البيتين هو حسان ، قال : وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح : والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح ، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كل من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعدونهم النصر والمساعدة ، فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة ، توبيخا لقريش ، وهم بنو لؤي كيف خذلوا أصحابهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة ، وإنما ذكر بني النضير استطرادا ، وستأتي الأبيات بكمالها في غزوة بني قريظة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله «وتعلم أي أرضينا تضير» ما يرجح ما وقع في الصحيح ، لأن أرض بني النضير تجاور أرض الأنصار ، فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش ، فإنها بعيدة منها بعدا شديدا ، فلا نبالي بخرابها ، فكأن أبا سفيان يقول : [ ص: 332 ] تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضر أرض من جاورها ، وأرضكم التي تجاورها ، فهي التي تتضرر لا أرضنا ، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف .

                                                                                                                                                                                                                              وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله :

                                                                                                                                                                                                                              أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم ، لما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التباين ، وأيضا فقوله :

                                                                                                                                                                                                                              وحرق في نواحيها السعير يريد بنواحيها المدينة ، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية