الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر رجوع المشركين إلى مكة

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما : لما تحاجز الفريقان أراد أبو سفيان الانصراف ، فأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته : أفي القوم محمد ؟ ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجيبوه » ، فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجيبوه » ، فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجيبوه » ، ولم يسأل عن هذه الثلاثة إلا لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم ، فقال أبو سفيان بعد أن رجع إلى أصحابه : إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا ، فلم يملك عمر نفسه !

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عباس وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله ، ألا أجيبه ؟ قال : «بلى » . قال في الفتح : كأنه نهى عن إجابته في الأول وأذن فيها في الثالثة ، فقال عمر : كذبت يا عدو الله ، قد أبقى الله لك ما يخزيك ، إن الذين عددت لأحياء كلهم ، فقال أبو سفيان : اعل هبل ، وأظهر دينك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : «قم يا عمر فأجبه » ، فقال : الله أعلى وأجل ، فقال أبو سفيان : اعل هبل ، وأظهر دينك ، فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، ألا إن الأيام دول ، وإن الحرب سجال ، وفي لفظ : سمال .


                                                                                                                                                                                                                              فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 221 ] وحنظلة بحنظلة ، وفلان بفلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : «قل : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار » ، فقال أبو سفيان : إنكم لتقولون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا ، لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله لعمر ، قل : «الله مولانا ولا مولى لكم » ، فقال أبو سفيان : إنها قد أنعمت فعال عنها ، هلم يا عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : «ائته فانظر ما شأنه » ، فجاءه ، فقال أبو سفيان : أنشدك بالله يا عمر ، أقتلنا محمدا ؟ قال : اللهم لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن ، قال : أنت أصدق من ابن قمئة وأبر - لقول ابن قمئة لهم : إني قتلت محمدا - ثم قال أبو سفيان : ورفع صوته : إنكم واجدون في قتلاكم مثلا ، والله ما رضيت ولا نهيت ولا أمرت ، إلا أن موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل : «نعم بيننا وبينكم موعد »
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذ في الرحيل ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة ، فتهلك الذراري والنساء .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : فبعث عليا - وقال عروة . ومحمد بن عمر ، وابن عائذ : سعد بن أبي وقاص - لينظر ، فقال : إن ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فهو الظعن وإن ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة ، فهي الغارة ، والذي نفسي بيده لئن ساروا إليها لأسيرن إليهم ، ثم لأناجزنهم . فسار علي أو سعد وراءهم إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل بعد ما تشاوروا في نهب المدينة ، فقال صفوان بن أمية - وأسلم بعد ذلك - : لا تفعلوا ، لا تدرون ما يغشاكم ، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وقدم أبو سفيان مكة ، فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال : أنعمت ونصرتني ، وشفيت نفسي من محمد ومن أصحابه ، وحلق رأسه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية