الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد وقال : فأوجعوا والله قتلا ذريعا ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا ، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا ، وإنه لفي وجه العدو ويفيء إليه طائفة من أصحابه مرة ، وتفترق [ ص: 197 ] مرة عنه ، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه ، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن عمر : ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا ، بل وقف في وجه العدو ، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره ، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس ، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له ، فقال : يا رسول الله لا يبلغ الوتر ، فقال : «مده فيبلغ » ، قال عكاشة : فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ ، وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه ، فما زال يرمي به وأبو طلحة يستره متترسا عنه حتى تحطمت القوس ، وصارت شظايا ، وفنيت نبله ، فأخذ القوس قتادة بن النعمان ، فلم تزل عنده ، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، وكان أقرب الناس إلى العدو ، وثبت معه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا : ثمانية من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح . وسبعة من الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمة ، وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ - وقيل : سعد بن عبادة - ومحمد بن مسلمة . ويقال : ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول : وجهي دون وجهك ، ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع !

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس : أن ابن مسعود ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول : «إلي يا فلان ، أنا رسول الله » ، فما يعرج عليه أحد ، وهذا النبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية ، والله تعالى يصرف ذلك عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر الأسلمي عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا فنظرت إلى النبل من كل ناحية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ : دلوني على محمد ، لا نجوت إن نجا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد ، ثم جاوزه فعاتبه صفوان بن أمية في ذلك ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا ، وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إليه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : قال أبو النمر الكناني وهو جد شريك بن عبد الله بن أبي نمر : شهدت أحدا مع المشركين ، ورميت يومئذ بخمس مرماة ، فأصبت منها بأسهم ، وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به ، وإن النبل لتمر عن يمينه وعن شماله ، [وتقصر ] بين يديه ، وتخرج من ورائه ، ثم هداني الله للإسلام .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 198 ] وروى عبد الرزاق بسند مرسل قوي عن الزهري قال : ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف ، وقاه الله شرها كلها .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها ، أو المبالغة في الكثرة . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وهم : علي ، والزبير ، وطلحة . وخمسة من الأنصار : أبو دجانة ، والحارث بن الصمة ، والحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، فلم يقتل منهم أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى بسند حسن ، عن علي رضي الله عنه قال : لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى ، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا ، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية