قد كثر السؤال عن الحكمة في تأكيد التسليم بالمصدر دون الصلاة ، وأجاب الفاكهاني بما حاصله : أن الصلاة مؤكدة معنى صلاة الله وملائكته ولا كذلك السلام ، فحسن تأكيده لفظا إذ ليس ثم ما يقوم مقامه .
وأجاب الحافظ بجواب آخر محصله : أنه لما وقع تقديم الصلاة على السلام في اللفظ ، وكان للتقديم مزية في الاهتمام ، وحسن أن يكون السلام لتأخر مرتبته في الذكر؛ لئلا يتوهم قلة الاهتمام ، لتأخره ، والعلم عند الله .
ومنها : الكلام على إعرابها ، فقد اختلف في نصب «الملائكة» وبه قرأ العشرة ، وبرفعه قرأ وهي رواية شاذة عن ابن عباس ، أبي عمرو فنصبه بالعطف على اسم «إن» وهو الاسم الكريم ، والرفع على محل اسم «إن» على مذهب الكوفيين ، وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر عند البصريين؛ أي وملائكته يصلون بدل عليه يصلون المذكور ، ولا يضر كون المبتدأ مفردا والخبر جميعا؛ لأن الخبر قد يقع جمعا للتعظيم كما ذكره بعضهم ، ولا خفاء في أن حرف النداء قد أناب مناب أدعو ، وأي منادى مفرد مبني على الضم خلافا للكسائي في أن ضمته ضمة إعراب أتي به وصلة لنداء ما ، فيه «ألى» محله نصب ، وهو اسم مبهم مفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه كاسم الإشارة يتصف به حتى يصح المقصود بالنداء ، فالذي يعمل فيه والذي صفة له لا ينفك عنها لعدم استقلاله بنفسه .
ومنها : السبب في نزولها .
روي قال : قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا السلام عليك ، فكيف نصلي ؟ فنزلت . كعب بن عجرة عن
ومنها : وجه مناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر حقوقه- صلى الله عليه وسلم- مما خصه به دون أمته من حل نكاح من تهب نفسها وتعظيمه وتوقيره وتحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده ، ورفع [ ص: 414 ] الجناح عن أزواجه في تكليمهن آبائهن وأبنائهن ، ودخولهن عليهن ودخولهم عليهن ، وأنه محترم في الملأ الأعلى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب 56] انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم النبي- صلى الله عليه وسلم- والتنويه به ما ليس في غيرها ، فنشر ذكره في السماوات السبع ، وعند المستوي وصريف الأقلام والعرش والكرسي وجميع الملائكة المقربين وفي سائر آفاق الدنيا . بقوله :
ومنها : زمن نزولها : فروي أنها نزلت في الأحزاب بعد نكاحه- صلى الله عليه وسلم- وبعد تخييره أزواجه . زينب بنت جحش
وقال في السنة الثانية من الهجرة . الحافظ أبو ذر الهروي
وقيل : ليلة الإسراء .
وقيل : في ليلة النصف من شعبان .
ومنها : الكلام على الملائكة والملائكة جمع ملك ، واختلف فيما اشتق منه على ستة أقوال ، وفي . ماهيتهم وحقيقتهم وفي عصمتهم وفضلهم على الأنبياء
والجمهور على أنهم أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل فتظهر في صور مختلفة وتقوى على أفعال ما مر .
وأكثر أهل السنة على أن الأنبياء أفضل منهم ، والهاء في ملكة لتأنيث الجمع نحو صلادمة .
وقيل : للمبالغة كعلامة ، وليس بشيء ، وحذفها شذوذ كما قيل :
أبا خالد صلت عليك الملائكة
، وكثرتهم لا يعلمها إلا الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو [المدثر 31] .وأما الكلام على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد تقدم في أوائل هذا الكتاب مبسوطا .
ومنها الحكمة في إتيانه بالجلالة دون غيره من الأسماء الحسنى أنه الاسم الأعظم على ما رجحه كثيرون ، ولم يقسم به غيره كما فسر به قوله تعالى : هل تعلم له سميا [مريم 65] وأنه يضاف إليه فيقال : الرحمن الرحيم ، اسم الله ، ولا عكس ، وجميع الأسماء ، ولأنه لا ينقص بنقص شيء من حروفه ، فإذا أسقطت الهمزة قلت : لله الأمر ، وإن أسقطت اللام الأولى قلت : «له ملك السماوات والأرض» وإن أسقطت الثانية قلت : «هو الأول والآخر» وقال : «آمنوا» دون «يا أيها الناس» وإن كان الصحيح أنه خاطب الكفار بفروع الشريعة؛ لأن الصلاة من أجل القرب فاختص بها المؤمنون وعدى ب «على» المراد بها الدعاء؛ لأن المراد من قوله تعالى . [ ص: 415 ] صلوا عليه أي قولوا : اللهم صل على محمد ، كما أجاب به- عليه الصلاة والسلام- فيمن قال : قد أمرنا بالصلاة عليك ، فكيف نصلي ؟ فقال : قولوا : . . ومنها أنه تعالى قدم صلاته عليه ترغيبا للمؤمنين في ذلك وترهيبا لهم من تركها .
[ومنها : أن تشريفه بصلاة الله عليه أسمى من شرف آدم بأمر الله تعالى الملائكة له بالسجود .
قال الفاكهاني : لما كانت الصلاة عليه مؤكدة ، يعني بصلاة الله وملائكته ولا كذلك السلام أكده بالمصدر .
وقال الحافظ : لما وقع تقديم الصلاة والسلام في اللفظ ، وكان للتقديم مزية في الاهتمام حسن أن يؤكد السلام لتأخره والعلم لله تعالى ، انتهى] . [ ص: 416 ]