الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في دعائه صلى الله عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حيان عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه (الأخرى) ويقول : "اللهم ، إني أحبهما فارحمهما" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدولابي عن محمد بن عبد الرحمن بن مولى بني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحسن -رضي الله تعالى عنه- مقبلا فقال : اللهم ، "سلمه ، وسلم منه" انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أنه صلى الله عليه وسلم سأل أن الله تعالى سيصلح به بين فئتين ، وقد كان ذلك بتركه الخلافة والقتال ، لا لعلة ولا لزلة ، وأصلح الله بذلك بين طائفة وطائفة طائفته وطائفة معاوية؛ تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم حيث كان ذلك كما أخبر .

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي -وقال : حسن صحيح- والإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي بكرة ، وابن [ ص: 66 ] عساكر عن أبي سعيد ، ويحيى بن معين في "فوائده" والطبراني والبيهقي في "الدلائل" والخطيب وابن عساكر والضياء عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن ابني هذا سيد" وفي لفظ : "وإنه ريحانتي ، وإني لأرجو أن يصلح الله به" وفي لفظ : "لعل الله أن يصلح به" ، وفي لفظ : وليصلحن الله به ، وفي لفظ : "يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وفي لفظ : من المسلمين عظيمتين .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ، ومحبته له ، وتقبيله سرته رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد في "المناقب" عن معاوية -رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته ، وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : لا زلت أحب هذا الرجل -يعني حسنا- بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع ، رأيت الحسن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصبعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه أو لسان الحسن في فمه ، ثم قال : "اللهم ، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم ، إني أحبه ، فأحبه" ، يعني الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : (في تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن رضي الله تعالى عنه) .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه رأى الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- في بعض طرق المدينة ، فقال له : اكشف لي عن بطنك ، فداك أبي ، حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ، فكشف له عن بطنه فقبل سرته .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في وثوبه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي الدنيا وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- قال : رأيت الحسن بن علي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب على ظهره وهو ساجد ، فما ينزل حتى يكون هو الذي ينزل ، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء الحسن [ ص: 67 ] -رضي الله تعالى عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأقامه على ظهره ، ثم ركع ثم أرسله فذهب .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في علمه رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي الدنيا في كتاب "اليقين" عن محمد بن معشر اليربوعي قال : قال علي للحسن ابنه -رضي الله تعالى عنهما- : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع ، قال : اليقين ما رأته عيناك ، والإيمان ما سمعته أذنك ، وصدقت به ، قال : أشهد أنك ممن أنت منه ، ذرية بعضها من بعض .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في خطبته يوم قتل أبوه رضي الله تعالى عنهما

                                                                                                                                                                                                                              روى الدولابي عن زيد بن الحسن -رضي الله تعالى عنهما- قال : خطب الحسن -رضي الله تعالى عنه- الناس حين قتل أبوه علي -رضي الله تعالى عنه- فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله -عز وجل- عليه ، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه ، وأراد أن يبتاع بها خادما لأهله ، ثم قال : أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن الرضي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل فيه ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله -عز وجل- عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم ، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا [الشورى : 42] واقتراف الحسنة تزيد لنا أهل البيت .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في بيعته وخروجه إلى معاوية ، وتسليمه الأمر له بعد قتل أبيه -رضي الله تعالى عنهما- لثلاث عشرة بقيت من رمضان ، بايعه أكثر من أربعين ألفا ، وقال صالح ابن الإمام أحمد : سمعت أبي يقول : بايع الحسن تسعون ألفا ، فزهد في الخلافة ، وصالح معاوية ، ببذله له تسليم الأمر على أن تكون الخلافة له بعده ، وعلى أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان من أيام أبيه ، وغير ذلك ، فظهرت المعجزة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم : "إن ابني هذا سيد ، يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، ولم يسفك في أيامه دم ، وبقي نحو (ستة) أشهر ، وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، [ ص: 68 ] ولامه الحسين على ذلك ، والصواب مع الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : فإن مدة الخلافة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت بخلافته ، ولم يبق إلا الملك ، وقد صان الله تعالى أهل بيته ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الدولابي : أقام الحسن -رضي الله تعالى عنه- بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، وقد قتل عبد الرحمن بن ملجم ، ويقال : إنه ضربه بالسيف فقتله ، ثم سار إلى معاوية ، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة ، واصطلحا ، وسلم إليه الأمر ، وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين . وقيل : إنه صالحه وأخذ منه مائة ألف دينار ، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحافظ أبو نعيم وغيره عن الشعبي -رحمه الله تعالى- قال : شهدت خطبة الحسن -رضي الله تعالى عنه- حين سلم الأمر إلى معاوية ، قال : فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور ، ألا وإن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية ، إنما هو لأمري ، فإن كان له حق فهو بحقه ، وإن كان لي فقد تركته له إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية