الباب السابع فيما ذكر أن إسرافيل قرن به قبل جبريل صلى الله عليه وسلم
روى في تاريخه بسند صحيح عن الإمام أحمد قال : عامر الشعبي إسرافيل ثلاث سنين ، فكان يعلمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل القرآن على لسانه ، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته جبريل ، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة ، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة ، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة .
وهذا يقتضي أن إسرافيل قرن معه بعد الأربعين ثلاث سنين ، ثم جاءه جبريل .
قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى : وحديث أي الآتي في الباب بعده- لا ينافي هذا فإنه يجوز أن يكون أول أمره الرؤيا ، ثم وكل به عائشة- إسرافيل في تلك المدة التي كان يخلو فيها بحراء فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة ولا يقيم معه تدريجا وتمرينا ، إلى أن جاءه جبريل فعلمه بعد ما غطه ثلاث مرات . فحكت ما جرى له مع عائشة جبريل ولم تحك ما جرى له مع إسرافيل اختصارا للحديث ، أو لم تكن وقفت على قصة إسرافيل . انتهى .
وذكر بعض العلماء في فبعث إسرافيل لهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله . حكمة مجيء إسرافيل إليه أنه الموكل بالنفخ في الصور ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث قرب الساعة وكانت بعثته من أشراطها ،
وقد أنكر رحمه الله تعالى خبر الواقدي وقال : لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل . الشعبي
قال الحافظ : ولا يخفى ما فيه ، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم . انتهى .
قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه : قد ورد ما يوهي أثر وهو ما رواه الشعبي ، عن مسلم رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط . قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة [ ص: 231 ] الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته . بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده
قال جماعة من العلماء إن هذا الملك إسرافيل . انتهى كلام الشيخ .
وروى الطبراني في الزهد بسند حسن عن والبيهقي رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عباس وجبريل على الصفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفه دقيق ولا كف من سويق . فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر الله القيامة أن تقوم؟ فقال : لا ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حتى يسمع كلامك فأتاه إسرافيل فقال : إن الله تعالى بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض وأمرني أن أعرض إليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة .
فقلت : فإن شئت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا؟ فأومأ إليه جبريل : أن تواضع . فقال بل نبيا عبدا . ثلاثا . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
ورواه في صحيحه مختصرا من حديث ابن حبان ولفظه : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال له أبي هريرة جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة . وذكر الحديث .
فظهر أن المعتمد ما مشى عليه رحمه الله تعالى . [ ص: 232 ] الواقدي