الباب السابع فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المباحات والتخفيفات وفيه نوعان : اعلم أن التحقيقات توسعة عليه -صلى الله عليه وسلم- تنبيها على أن ما خص به -صلى الله عليه وسلم- من الإباحة لا يلهيه عن طاعة الله ، وإن ألهى غيره ، ومعظم ذلك لم يفعله مع إباحته ، وليس المراد بالمباح هنا مستوى الطرفين ، بل المراد به ما لا حرج في فعله ولا في تركه ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- واصل وقد قال الإمام : إنه قربة في حقه -صلى الله عليه وسلم- ، وكذا صفي المغنم والاستبداد بالخمس فقد يكون راجح الفعل كصرفه في أهم المصالح . وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى ودخوله مكة بغير إحرام كما تقدم ، وقد يترجح تركه ، وكذا الزيادة على الأربع لا تساوي فيها ، فإن أفعاله وأقواله كلها راجحة مثاب عليها ، حتى في أكله وشربه ، لأن الواحد منا يثاب بشرط أن يقصد وجه الله بذلك ، وهو بذلك أولى -صلى الله عليه وسلم- ، وفي هذا الفعل نوعان : النوع الأول فيما يتعلق بغير النكاح وفيه مسائل : الأولى : اختص -صلى الله عليه وسلم- بالمكث في المسجد جنبا .
عن خارجة بن سعد عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك " علي . "يا
قاله ابن القاص في التلخيص : وتوزع في ذلك .
قال النووي . وقد يحتج له بما رواه عن الترمذي عطية العوفي عن رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي سعيد الخدري- . قال "لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" حسن غريب قال الترمذي : النووي : لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية ، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين ، لكن قد حسنه ، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لأهل هذا الفن فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص . انتهى . الترمذي
وروى عن البيهقي رضي الله تعالى عنها- قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أم سلمة- محمدا وأهل بيته عليا ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين" . "ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء ، وكل جنب من الرجال إلا
وروى في تاريخه ، البخاري عن والبيهقي (رضي الله عنها) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : عائشة لمحمد وآل محمد" . إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ، إلا
وروى عن ابن عساكر رضي الله تعالى عنه- قال : جابر بن عبد الله- قال رسول . [ ص: 424 ]
الله -صلى الله عليه وسلم- "إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي" لعلي : .
وروى في أخبار الزبير بن بكار المدينة عن أبي حازم الأشجعي- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون ، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا وأبناء وعلي علي" .
فهذه الأحاديث تشهد لتحسين الترمذي ، وفي عد هذه الخصائص نظر ، لأن عليا يشاركه في ذلك .
الثانية : وبأنه لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعا .
روى الشيخان رضي الله تعالى عنها- قالت : قلت : يا رسول الله ، تنام قبل أن توتر ؟ فقال : "يا عائشة- إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" عائشة ، . عن
ورويا في حديث الإسراء عن رضي الله تعالى عنه- أنس- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم .
قال أبو عمر : هذا من علياء مراتب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .
كما روي : ولذا قال "إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا" رؤيا الأنبياء وحي ، لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساووهم في نوم العين ، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم ، لم تكن رؤياهم إلا كرؤيا من سواهم . ابن عباس :
ومن هذا لأن الوضوء إنما يجب لغلبة النوم على القلب لا على العين ، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يساوي أمته في الوضوء من الحدث ، ولا يساويهم في الوضوء من النوم . كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ ،
وروى مسدد عن وابن حبان رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبي هريرة- . "تنام عيني ولا ينام قلبي"
وروى عن ابن أبي شيبة رضي الله تعالى عنه- قال : ابن مسعود- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو ساجد ، فما يعرف نومه إلا بنفخه ، ثم يقوم فيمضي في صلاته .
ورواه بلفظ : أبو يعلى كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام مستلقيا حتى ينفخ ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ .
وروى عن عبد الرزاق أبي قلابة- رضي الله تعالى عنه- قال : . [ ص: 425 ] قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "قيل لي : لتنم عينك ، وليعقل قلبك ، ولتسمع أذنك ، فنامت عيني ، وعقل قلبي ، وسمعت أذني"