الفصل الثالث
قال القاضي- رحمه الله تعالى- : اعلم أن فكان عجزهم عنها سببا لتسميتها معجزة من العجز المقابل للقدرة ، وحقيقة الإعجاز إثبات عجز المرسل إليهم ، استعير لإظهار عجزهم ثم استند إلى ما هو سبب لإظهاره من الخوارق ، والمعجزة على ضربين : من حيث كونها مقدورة للبشر وغير مقدورة ، وله ضرب هو من نوع ما يمكن دخوله تحت قدرة البشر ويمكنهم الإتيان به فعجزوا عنه فتعجيز الله إياهم عنه فعل لله تعالى دل على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه كصريح قوله : صدق عبدي في دعواه الرسالة لجري العادة بخلقه تعالى علما ضروريا بصدقه كمن قال لجمع : أنا رسول الله- تعالى- إليكم ثم نتق فوقهم جبلا ، ثم قال : إن كذبتموني وقع عليكم وإلا انصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم أو تكذيبه قرب منهم ، فإنهم يعلمون ضرورة صدقه مع قضاء العادة بامتناع صدور ذلك من الكاذب منهم ، كصرف تسميتنا ما جاءت به الأنبياء من الآيات الخارقة للعادة معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها ، اليهود عن تمني الموت إذ يعجزهم عن تمنيه مع إمكانه فيعلمون ضرورة أنه صادق .
وضرب من المعجزة وهو خارج عن قدرتهم ، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى ، إذ ليس من جنس أفعالهم ، وأما عيسى صلى الله عليه وسلم معجزة له ، فكأنما كان من الله تعالى لأمته شهادة ، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى «وأن تخرج الموتى بإذني» إحياؤهم على يد لموسى صلى الله عليه وسلم ، وقلب العصا حية تسمى معجزة لصالح صلى الله عليه وسلم ، وكلام الشجرة ، وإخراج ناقة من صخرة بلا واسطة وأسباب معهودة معجزة مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى حقيقة وتحديه من يكذبه إن طلب منه أن يأتي بمثله تعجيزا له عن ذلك . ونبع الماء من بين الأصابع وانشقاق القمر معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم
واعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا ، أي لما هو من نوع قدرة البشر ، وما هو خارج عنها ، وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزة ، وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا ، وهي مع كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو [ ص: 408 ]
بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها قال أهل العلم : وأقصر سور القرآن القرآن لا يحصى عدد معجزاته إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر - 1] لأنها ثلاث آيات حروفها أقل من حروف آيات سورة هي ثلاث مثل قل هو الله أحد [الإخلاص - 1] ، وكل آية منه طويلة بعدد آياتها كلمات وحروفا أو آيات منه بعددها آيات وحروفا كلمات معجزة لا تتعارض موازاة ومداناة ثم في سورة الكوثر نفسها معجزات على ما سنفصله فيما اشتمل عليه القرآن من المعجزات التي فاقت الحصر .