الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السابع والعشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في المرض والطب وما يتعلق بهما .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الصالحون .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحكيم الترمذي والطبراني في الكبير عن سراء بنت نبهان الغنوية- رضي الله تعالى عنها- :

                                                                                                                                                                                                                              سأل غلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الحيات ما نقتله منها ؟ قالت : فسمعته يقول اقتلوا الحيات صغيرها وكبيرها أبيضها وأسودها ، فإن من قتلها من أمتي كانت له فداء من النار ، ومن قتلته كان شهيدا [ ص: 320 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت ، فقال : إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم ، فقولوا : أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان ، أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وعك ، فوضعت يدي فقلت : يا رسول الله ، إنك لتوعك وعكا شديدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أجل ، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال : فقلت : ذلك ، أن لك أجرين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أجل» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض ، فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ؟ قال كفارات قال أبي : وإن قلت ؟ قال : وإن شوكة فما فوقها ، قال : فدعا أبي على نفسه ألا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله ولا صلاة مكتوبة في جماعة فما مسه إنسان إلا وجد حره حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في الأوسط وقال : حسن ، وابن عساكر عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت : يا رسول الله ما جزاء الحمى ؟ قال تجدي الحسنات على صاحبها ، ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق ، فقال أبي : - رضي الله تعالى عنه- اللهم ، إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ، ولا خروجا إلى بيتك ، ولا إلى مسجد نبيك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع لي طبيب بني فلان ، قال : فدعوه فجاءه ، فقالوا : يا رسول الله ، أويغني الدواء شيئا ؟ فقال : سبحان الله ، وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض إلا جعل له شفاء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبيهقي عن أبي خزامة عن أبيه- رضي الله تعالى عنه- قال : يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به ؟ ورقى نسترقي بها ، واتقاء نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه من قدر الله . [ ص: 321 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان والترمذي عن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي- رضي الله تعالى عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ، أو كره أن يصنعها ، فقال : إنما أصنعها للدواء فقال : إنه ليس بدواء ولكنه داء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن عوف بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : «اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو بن حزم ، قال أبو الزبير : فسمعت جابرا- رضي الله تعالى عنه- يقول : لدغت رجلا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : يا رسول الله أرقي ؟ قال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ، ورواه الإمام أحمد بلفظ : كان خالي يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى فأتاه فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى ، وإني أرقي من العقرب ، فقال : من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن عبيد الله بن رفاعة الزرقي- رضي الله تعالى عنه- أن أسماء بنت عميس- رضي الله تعالى عنها- قالت : يا رسول الله ، إن ولد جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ قال : نعم ، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك عن حميد بن قبيس قال : دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب ، فقال لحاضنتهما : ما لي أراهما ضارعين فقالت : حاضنتهما : يا رسول الله ، إنه تسرع إليهما العين . ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استرقوا لهما ، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة ، فقال : هي من عمل الشيطان النشرة حل السحر للمسحور ، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر ، وقد قال الحسن- رضي الله تعالى عنه- : لا يطلق السحر إلا ساحر ، فلا يجوز فعل ذلك وقد بسطت الكلام على ذلك في موضعه فيما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، رأيت في المنام ، كأن رأسي قطع فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه ، فلا يحدثن به الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن [ ص: 322 ]

                                                                                                                                                                                                                              الطاعون ، فقال : كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم ، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين ، ما من عبد يكون في بلد ، يكون فيه ويمكث فيه ، لا يخرج من البلد صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه ، إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود عن فروة بن مسيك قال : قلت : يا رسول الله ، عندنا أرض يقال لها أبين ، وهي أرض رفقتنا وميراثنا وإنها وبئة أو قال : إن بها وباء شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعها عنك فإن القرف التلف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا طيرة ، وخيرها الفأل ، قيل : يا رسول الله ، وما الفأل ؟ قال : كلمة طيبة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا عدوى ولا طيرة ، وخيرها الفأل ، قيل : يا رسول الله ، وما الفأل ؟ قال الكلمة الطيبة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل قال : قيل : وما الفأل قال : الكلمة الطيبة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن النعمان بن الرازية- رضي الله تعالى عنه- أنه قال : يا رسول الله إنا كنا نتغاول في الجاهلية ، وقد جاء الله تعالى بالإسلام فما تأمرنا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نفى الإسلام أحد من يتغول ولكن لا يمنعن أحدكم من سفر الفأل ، هو مثل أن يكون مريضا فيسمع آخر يقول : يا سالم أويكون طالب ضالة فيسمع يا واجد فيستبشر بذلك الكلام ، فالفأل ترجى الخيرة ، والطيرة ترجى الشر ووقوعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، أرأيت البعير يكون فيه الجرب فتجرب به الإبل ؟ قال : ذلك القدر فمن أجرب الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن النجار عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجمه فتشمل الإبل كلها جربا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما أعدى الأول ثم قال : لا عدوى ولا هامة ولا صفر ، خلق الله تعالى كل نفس فكتب حياتها ومصيباتها ورزقها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك مرسلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري- رحمه الله تعالى- قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : دار سكناها والعدد كثير والمال كثير وافر فقل العدد ، وذهب المال فقال : دعوها ذميمة [ ص: 323 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ردته الطيرة عن حاجته ، فقد أشرك قالوا : يا رسول الله ما كفارة ذلك ؟ قال : أن يقول : اللهم ، لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية