الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الولائم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في أمره صلى الله عليه وسلم في إجابة الدعوة :

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في أمره صلى الله عليه وسلم بإكرام الضيف :

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري ومسلم عن أبي شريح الكعبي -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته ، يوم وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في استئذانه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري في الأدب وأبو داود عن عبد الله بن بشر -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : السلام عليكم ، وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان والطبراني والترمذي عن أبي مسعود البدري الأنصاري ، والإمام أحمد عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع ، فأتيت غلاما لي قصابا ، فأمرته أن يصنع طعاما لخمسة رجال ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء خامس خمسة وتبعهم رجل ، فلما بلغ الباب ، قال : هذا تبعنا فإن شئت أن تأذن له وإلا رجع ، فأذنت له . رواه الطبراني برجال الصحيح عن أبي شعيب نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد برجال ثقات عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلا صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فقال : أتأذن لي في سعد ؟ فأذن له ، ثم صنع طعاما ، فقال أتأذن لي في سعد ؟ فأذن له ، ثم صنع طعاما ، فقال ، أتأذن لي في سعد ؟ فأذن صاحبه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 52 ] الرابع : في أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقطع دارا ولا نسلا

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمدت إلى عنز لأذبحها فثغت فسمع ثغوتها ، فقال : يا جابر ، لا تقطع دارا ولا نسلا ، فقلت يا رسول الله ، إنما هي عتودة علفتها البلح والرطبة ، حتى سمنت .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في أمره صلى الله عليه وسلم بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف وكراهته لنكاح السر

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريق داود بن الجراح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «ما فعلت فلانة ليتيمة كانت عندها» فقالت : أهديناها إلى زوجها ، فقال : هلا بعثتم معها جارية ، تضرب بالدف وتغني ، قالت : تقول ماذا ؟ قال : تقول :


                                                                                                                                                                                                                              أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم     ولولا الذهب الأحمـ
                                                                                                                                                                                                                              ـر ما حلت بواديكم     ولولا الحنطة السمرا
                                                                                                                                                                                                                              ء ما شمت عذاريكم

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جواري يلغين ، يقلن : فحيونا نحييكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفى ، ثم دعاهن ، فقال : لا تقلن هكذا ، ولكن قلن أحيانا ، وإياكم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبزار برجال ثقات عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : «أهديتم الجارية إلى بيتها ؟ قالت : نعم ، قال : فهل بعثتم معها من يغنيهم يقول : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم؛ فإن الأنصار قوم فيهم غزل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند عن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي الحسن -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب عليه بدف ، ويقال :


                                                                                                                                                                                                                              أتيناكم أتيناكم     فحيونا نحييكم



                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة ، ما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو» .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 53 ] وروى أيضا عن الربيع بنت معوذ بن عفراء -رضي الله تعالى عنها- قالت جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل حين بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني ، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر ، وقالت له إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقال : دعي هذه ، وقولي بالذي كنت تقولين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : أنكحت عائشة ذات قرابة من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أهديتم الفتاة ؟ قالوا : نعم ، قال : أرسلتم معها من يغني ؟ قالت : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الأنصار قوم فيهم غزل ، فلو بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية