الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              قال ابن القيم : وقد تضمنت حجته- صلى الله عليه وسلم- ست وقفات للدعاء في الموقف : الأول : [ ص: 482 ] على الصفا ، والثاني : على المروة ، والثالث : بعرفة ، والرابع : بمزدلفة ، والخامس : عند الجمرة الأولى ، والسادس : عند الجمرة الثانية .

                                                                                                                                                                                                                              وخطب- صلى الله عليه وسلم- الناس بمنى خطبة عظيمة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قال ابن سعد : على راحلته القصواء .

                                                                                                                                                                                                                              قال عمرو بن خارجة وهي تقصع بجرتها ، وإن لعابها ليسيل بين كتفي في وسط أيام التشريق . فقيل : هو ثاني يوم النحر ، وهو أوسطها- أي خيارها- لما سيأتي . وهو الحادي عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الرءوس سمي بذلك لأنهم كانوا يذبحون يوم النحر ثم يطبخون الرءوس تلك الليلة فيبكرون على أكلها ، وكان عم أبي حرة الرقاشي آخذ بزمام ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يذود عنه الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وسببها أنه- صلى الله عليه وسلم- أنزلت عليه سورة النصر في هذا اليوم ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحلت له ، فوقف للناس بالعقبة ، فاجتمع إليه الناس ، وفي رواية : ما شاء الله من المسلمين ، فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : «أما بعد أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، ألا وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلغت ؟ » قالوا : بلغ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع» ، ثم قال : «أي شهر هذا ؟ » فسكتوا فقال : هذا شهر حرام ، «أي بلد هذا ؟ » فسكتوا فقال : بلد حرام ، : «أي يوم هذا ؟ » فسكتوا قال : يوم حرام ، ثم قال : «إن الله تعالى قد حرم دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، كحرمة شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، في يومكم هذا ، إلى أن تلقوا ربكم ، ألا هل بلغت ؟ » قالوا : نعم ، قال : «اللهم اشهد ، ثم قال : إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم» ، ألا هل بلغت ؟ قال : الناس نعم ، قال : «اللهم اشهد ، ألا وإن من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع وإن كل دم في الجاهلية موضوع وأن أول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل» ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : «اللهم فاشهد فليبلغ الشاهد الغائب ، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم . ثم قال : اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا . ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» .

                                                                                                                                                                                                                              فقال عمرو بن يثربي يا رسول الله أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فاحترزتها ، فقال : إن لقيتها تحمل شفرة وأزنادا بخبت الجميش فلا تهجها .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال أيها الناس : إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله [التوبة - 37] . [ ص: 483 ]

                                                                                                                                                                                                                              ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» ، ثم قرأ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم [التوبة - 36] ثلاث متواليات : ذو القعدة ، ذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان ، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون ، ألا هل بلغت ؟ قال الناس : نعم فقال : اللهم اشهد» .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال : «أيها الناس . إن للنساء عليكم حقا ، وإن لكم عليهن حقا ، فعليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ، ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم ، فإن فعلن فإن الله تعالى قد أذن لكم أن تهجروهن بالمضاجع ، وأن تضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم ، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيرا ، ألا هل بلغت ؟ قال الناس : نعم ، قال : اللهم اشهد .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال : أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه ، فقد رضي به ، إن المسلم أخو المسلم ، إنما المسلمون إخوة ، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب نفس منه ، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ، لا تظلموا أنفسكم ، لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله تعالى ، ألا هل بلغت ؟ قال الناس : نعم قال : اللهم اشهد .

                                                                                                                                                                                                                              ثم انصرف إلى منزله وصلى الظهر والعصر يوم النفر بالأبطح ، قالت عائشة- رضي الله تعالى عنها- إنما نزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمحصب ، لأنه كان أسمح لخروجه .


                                                                                                                                                                                                                              واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له ، واستأذنه رعاء الإبل في البيتوتة خارج منى ، فأرخص لهم أن يرموا يوم النحر ، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما ، قال مالك : ظننت أنه قال : في أول يوم منهما ، ثم يرمون يوم النفر قال ابن عيينة في هذا الحديث . رخص للرعاء أن يرموا يوما ، ويتركوا يوما .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية