الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              قلت : وضحى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقر .

                                                                                                                                                                                                                              ونحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنحره بمنى ، وأعلمهم أن منى كلها منحر ، وأن فجاج مكة طريق ومنحر

                                                                                                                                                                                                                              وسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبنى له بناء بمنى يظله من الحر ، فقال : لا ، منى مناخ لمن سبق إليه .

                                                                                                                                                                                                                              فلما أكمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه ، فقال للحلاق- وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف- وحضر المسلمون يطلبون من شعره- وهو قائم على رأسه بالموسى ، ونظر في وجهه وقال : «يا معمر أمكنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، قال معمر ، فقلت : أما والله يا رسول الله إن ذلك من نعم الله علي ومنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال للحلاق : «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه ، ثم [ ص: 478 ] أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر ، ثم قال : «هاهنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري ، عن ابن سيرين ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره ، قال : وهذا لا يناقض رواية مسلم : لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره ، ويختص بالشق الآخر ، لكن قد روى مسلم- أيضا- من حديث أنس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال : «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال : «اقسمه بين الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              ففي هذه الرواية ، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال : بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال : «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه ، وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر ، ثم أظفاره وقسمها بين الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته ، فلا يلقى جمعا إلا فضه .

                                                                                                                                                                                                                              وحلق أكثر أصحابه- صلى الله عليه وسلم- وقصر بعضهم ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم اغفر للمحلقين» ، ثلاثا كل ذلك يقال : والمقصرين يا رسول الله ، فقال : «والمقصرين في الرابعة» .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قال ابن سعد : وأصاب الطيب بعد أن حلق ، ولبس القميص ، وحل الناس ، وجاءه رجل فقال : يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال : «انحر ولا حرج» ، ثم أتاه آخر فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أنحر . قال : «احلق ولا حرج» ، فما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال : «افعل ولا حرج» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية