[ ص: 436 ] خاتمة :
حاصل الأحاديث التي تقدمت : أن صومه- صلى الله عليه وسلم- من الشهر كان على أوجه :
الأول : «أنه كان يصوم الاثنين والخميس والاثنين» .
الثاني : «أنه كان يصوم أول اثنين من الشهر ، ثم الخميس ، ثم الخميس الذي يليه» .
الثالث : «أنه كان يصوم من الشهر : السبت ، والأحد ، والاثنين ، ومن الشهر الآخر الثلاثاء ، والأربعاء والخميس» .
الرابع : «أنه كان يصوم ثلاثة من أول الشهر» .
الخامس : «كان يصوم ثلاثة غير معينة» .
السادس : ثالث عشر ، ورابع عشر ، وخامس عشر ، وسميت هذه الثلاثة أيام بذلك ، لأن القمر يكون فيها من أول الليل إلى آخره ، وليس في الشهر يوم أبيض كله ، إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ، ونهارها أبيض ، فصح قول من قال : الأيام البيض على الوصف ، واليوم الكامل هو النهار بليلته وفيه رد لقول الجواليقي من قال : الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ من قاله . «كان يصوم الأيام البيض :
تنبيهات
الأول : في سبب صيام قريش في الجاهلية يوم عاشوراء :
روي عن عكرمة- رحمه الله تعالى- قال : «أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا عظيما ، فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل صوم عاشوراء» .
الثاني :
قول «فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عائشة المدينة أي سفر الهجرة- كما صرح به العلماء- زعم بعض من يطلب العلم من أهل زماننا ، أنه سفر غيره ، وأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصمه إلا سنة واحدة قبل موته ، وهذا كلام غير صواب ، لم يسبق قائله إليه أحد من العلماء» .
الثالث :
روى مسلم ، عن والبرقاني ، الحكم بن الأعرج ، قال «سألت عن عاشوراء ، فقال : عن أي حالها تسأل ؟ قلت عن صيامه ، أي يوم أصومه ؟ ، قال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم أصبح من يوم تاسعه صائما ، فقلت أكذلك كان يصومه ؟ قال : نعم» . [ ص: 437 ] ابن عباس
الرابع :
استفيد من حديث تعيين عائشة : وهو أول قدومه الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء ، المدينة ، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول ، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية .
وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان ، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة ، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع .
الخامس :
استشكل بعضهم حديث بأنه- صلى الله عليه وسلم- إنما قدم ابن عباس ، المدينة في شهر ربيع الأول ، فكيف يقول أنه قدم ابن عباس المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء ؟ . وأجاب ابن القيم : بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه ، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره ، ولكن أول علمه بذلك ووقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة ولم يكن وهو بمكة .
قال الحافظ : غايته أن في الكلام حذفا : تقديره قدم عليه الصلاة والسلام المدينة ، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية ) .
السادس :
قال في حديث : كان يصوم شعبان إلا قليلا أي : يصوم معظمه .
ونقل عن الترمذي أنه قال : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر ، أن يقول : صام الشهر كله ، ويقال : قام فلان ليلته أجمع ، ولعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره ، قال ابن المبارك كان الترمذي : جمع بين الحديثين بذلك . ابن المبارك
وحاصله : أن الرواية الأولى : مفسرة للثانية ، ومخصصة لها ، وأن المراد بالكل الأكثر ، وهو مجاز قليل الاستعمال ، واستبعده الطيبي ، وقال : يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان .
وقال ابن المنير : إما أن يحمل قول على المبالغة ، والمراد الأكثر ، وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول . فأخبرت عن أول أمره : أنه كان يصوم أكثر شعبان ، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله . عائشة
قال الحافظ : ولا يخفى تكلفه ، والأول هو الصواب . [ ص: 438 ]