الخامس : فيما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر عليه بجنازة .
روى الإمامان : مالك ، والشيخان ، وأحمد ، عن والنسائي ، أبي قتادة- رضي الله تعالى عنه- ، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة فقال : «مستريح ومستراح منه» ، فقالوا : يا رسول الله : ما المستريح ؟ وما المستراح منه ؟ فقال : «العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا ، وأذاها إلى رحمة الله تعالى ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد ، والشجر والدواب»
والله تعالى أعلم .
تنبيهات
الأول : قال أكثر الصحابة ، والتابعين باستحباب كما نقله القيام للجنازة ، وهو قول ابن المنذر ، الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن .
وقال الشعبي ، والنخعي : يكره القعود قبل أن توضع .
فقد روى عن البخاري ، رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : عامر بن ربيعة- . «إذا رأى أحدكم جنازة ، فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حين يراها حتى يخلفها أو تخلفه ، أو توضع قبل أن تخلفه»
وروى أيضا عن رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبي سعيد- . «إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع»
الثاني : قوله إن للموت فزعا :
قال أي : إن الموت يفزع منه ، إشارة إلى استعظامه ، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت ، فمن ثم [ ص: 364 ] استوى فيه كون الميت مسلما ، أو غير مسلم . القرطبي :
وقال غيره فجعل نفس المؤمن فزعا مبالغة ، كما يقال : «رجل عدل» ، قال هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة ، وفيه تقدير . أي : الموت ذو فزع . انتهى . البيضاوي :
ويؤيد الثاني
رواية أبي سلمة ، عن بلفظ أبي هريرة ، رواه «إن للموت فزعا» وعن ابن ماجه مثله عند ابن عباس وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب ، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة . البزار ،
وقوله في الرواية الأخرى لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال : أليست نفسا ؟ وقد أتى أن الرواية الأخرى إن للموت فزعا ، ونحوه إنما قمنا للملائكة ، من حديث لأحمد أبي موسى ولأحمد ، وابن حبان ، من حديث والحاكم ، مرفوعا : عبد الله بن عمرو ولفظ «إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ، ابن حبان «إعظاما لله» يقبض الأرواح ، فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق ، لأن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى ، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك ، وهم الملائكة .
الثالث : روى من حديث الإمام أحمد قال : الحسن بن علي ، زاد «إنما قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تأذيا بريح اليهودي» من حديث الطبراني عبد الله بن عياش بالتحتية والمعجمة . فأذاه ريح بخورها فقام حتى جازته .
وللطبراني ، من وجه آخر عن والبيهقي الحسن : كراهية أن تعلو رأسه وهذه الأحاديث لا تعارض الأخبار الأولى الصحيحة .
أما أولا : فلأن إسنادها لا تقاوم تلك في الصحة . وأما ثانيا : فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي ، والتعليل الماضي صريح من حديث النبي- صلى الله عليه وسلم- فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه ، فعلل باجتهاده ، وقد روى من طريق ابن أبي شيبة خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال : . «كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فطلعت جنازة ، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت ، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان ، وما سألناه عن قيامه»
الرابع : اختلف أهل العلم في هذه المسألة :
فذهب إلى أنه غير واجب ، فقال : هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة ، [ ص: 365 ] وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله ، والحجة في الآخر من أمره والقعود أحب إلي . الشافعي
وأشار بالترك إلى حديث رضي الله تعالى عنه- ، علي بن أبي طالب- رواه «أنه- صلى الله عليه وسلم- قام للجنازة ، ثم قعد» ورواه مسلم ، بلفظ البيهقي ، أشار إلى قوم قاموا : أن اجلسوا ، ثم حدثهم بالحديث» عليا ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة ، منهم : «أن سليم الرازي ، وغيره ، وقد ورد النهي عنه ، روى وأصحاب السنن ، إلا أحمد ، قال : النسائي ، وإسناده ضعيف . «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقوم للجنازة فمر به حبر من اليهود فقال : هكذا نفعل : فقال : «اجلسوا وخالفوهم»
قال القاضي ذهب جمع من السلف : إلى أن علي وتعقبه الأمر بالقيام منسوخ بحديث النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع ، وهو هنا ممكن ، قال : والمختار أنه مستحب وبه قال المتولي وقال ابن الماجشون : «كان قعوده- صلى الله عليه وسلم- لبيان الجواز ، فمن جلس فهو في سعة ، ومن قام فله أجر» .
الخامس في بيان غريب ما سبق .
الزق- بزاي مكسورة ، فقاف : وعاء من جلد- يجز شعره ، ولا ينتف نتف الأديم .
القصد- بقاف ، فصاد ، فدال مهملتين : عدم الإفراط والتفريط .
معرور- بميم مفتوحة ، فعين مهملة ساكنة ، فراءين بينهما واو : لا سرج عليه ، ولا غيره .
عقله بعين مهملة ، فقاف ، فلام مفتوحات .
يتوقص- بفوقية فواو ، فقاف مفتوحات فصاد مهملة : ينزو .
الكآبة- بكاف- فألف ، فهمزة ممدودة ، فموحدة ، فتاء تأنيث .
مأزورات- بميم مفتوحة فهمزة ساكنة فزاي ، فواو فراء فألف فتاء : آثمات .
الآجام : بهمزة ممدودة فجيم مفتوحة فألف .
الصمات- بصاد مهملة مضمومة ، فميم فتاء : السكوت . [ ص: 366 ]