الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في جمعه- صلى الله عليه وسلم- بين الصلاتين

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في إباحة الجمع وكونه رخصة .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير أن يعجله شيء ولا يطلبه عدو ولا يخاف شيئا» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في جمعه- صلى الله عليه وسلم- في السفر .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر» ، وفي رواية : «إذا عجل به السير أخر الظهر» ، وفي رواية : «إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عنه قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان : الشافعي ، وأحمد ، والشيخان وابن ماجه ، والدارقطني ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال ، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر ، وإذا حانت المغرب وهو في منزله جمع بينها وبين العشاء ، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وابن أبي عمر برجال ثقات عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يؤخر الظهر ، ويعجل العصر ، ويؤخر المغرب ، ويعجل العشاء في السفر» . [ ص: 235 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن علي- رضي الله تعالى عنه- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل حين تزول الشمس جمع بين الظهر والعصر ، وإذا مد له السير أخر الظهر وعجل العصر ثم جمع بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريق حفص بن عمر الجدي- قال عنه الذهبي : منكر الحديث- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أقام بخيبر ستة أشهر يصلي الظهر والعصر جميعا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن معاذ- رضي الله تعالى عنه- قال : جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي- بسند حسن- عنه أيضا ، قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب مثل ذلك ، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإن رحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في جمعه- صلى الله عليه وسلم- بجمع والمزدلفة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الأئمة إلا الدارقطني ، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب والعشاء بمزدلفة جميعا كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : «ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود مرسلا عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «صلى الظهر والعصر بأذان واحدة بعرفة ولم يسبح بينهما ، وإقامتين وصلى المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد [ ص: 236 ] وإقامتين ، ولم يسبح بينهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، عن ابن عمرو وجابر- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في جمعه- صلى الله عليه وسلم- في الإقامة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الجماعة إلا ابن ماجه ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : «صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة ثمانيا وسبعا جميعا الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر» ، وفي رواية «من غير خوف ولا مطر» . قال عمرو : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : «وأنا أظن» ، وعند النسائي لفظ التأخير والتعجيل من قول ابن عباس ، وزاد مسلم عن ابن عباس ، أراد أن لا يحرج أمته» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن طريق عبد الله بن عبد القدوس . عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : «صنعت هذا لكيلا أحرج أمتي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن طريق عثمان بن خالد الأموي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال : «جمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين الصلاتين في المدينة من غير خوف» .

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي في شرح مسلم : للعلماء في هذا الحديث أقوال ، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر ، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين وهو ضعف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر ، يريد التي رواها ، فقد روى الإمام مالك عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم ، فصلى الظهر ، ثم انكشف الغيم ، وبان أن وقت العصر قد دخل ، فصلاها . وهذا أيضا باطل ، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء .

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من [تأوله على تأخير الأولى أخر وقتها فصلاها فيه ، فلما فرغ منها دخلت الثانية [ ص: 237 ] فصلاها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضا ضعيف وباطل- وساق أدلته على ذلك ثم قال : ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر للمرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار . وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأن المشقة فيه أشد من المطر .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر لمن لا يتخذه عادة ، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك ، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي- ثم قال : ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد ألا يحرج أمته . فلم يعلله بمرض ولا غيره] .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في صلاته- صلى الله عليه وسلم- الفرض على الدابة لعذر .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني ، وأبو داود ، من حديث يعلى بن مرة- وإسناد الطبراني برجال ثقات- عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال : «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأصابنا السماء فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا وكان في مضيق فحضرت الصلاة ، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلالا فأذن وأقام وتقدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصلى على راحلته والقوم على رواحلهم ، يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن عمرو بن يعلى- رضي الله تعالى عنه- قال : حضرت الصلاة صلاة المكتوبة ونحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتقدمنا ثم أمنا فصلينا على ركائبنا» . [ ص: 238 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية