الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السادس في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة وفيه نوعان :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة الرومية الضيقة الكمين في السفر .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وعليه جبة شامية ضيقة الكمين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة رومية من صوف ضيقة الكمين فصلى بنا فيها ، ليس عليه شيء غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان ، وابن عساكر عن المغيرة بن شعبة ، رضي الله تعالى عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل وجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه ، وعليه جبة شامية ، وفي لفظ : رومية ، ضيقة الكمين فذهب ليخرج يده من كمها ، فضاقت فأخرج يده من أسفلها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من الشام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى - برجال ثقات - عن عمر رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه جبة شامية ، مفترق خصرها .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في لبسه صلى الله عليه وسلم الجبة غير الرومية .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم والنسائي وابن سعد ، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم قال : أخرجت إلينا أسماء جبة من طيالسة لها لبنة من ديباج كسرواني وفي لفظ كسروانية وفروجها مكفوفة به ، وفي لفظ وفرجاها مكطوفان بالديباج فقالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يلبسها ، فلما توفي كانت عند عائشة ، فلما توفيت عائشة قبضتها ، نحن نغسلها للمريض منا إذا اشتكى ، وفي لفظ للمرض ، ونستشفي بها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن أسماء رضي الله تعالى عنها قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة طيالسة مكفوفة بالديباج ، فكان يلقى فيها العدو .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن المغيرة بن زياد مولى أسماء قالت : رأيت ابن عمر رضي الله [ ص: 298 ] تعالى عنهما اشترى عمامة لها علم ، فدعا بالجلمين فقصه ، فدخلت على أسماء ، فذكرت ذلك لها فقالت : بؤسا لعبد الله ، يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ابن عمر أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها أخرجت جبة مزررة بالديباج ، فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذا لقي العدو .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو القاسم البغوي ، وابن عساكر ، وأبو الحسن بن الضحاك عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله تعالى عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود الطيالسي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الشيخ عنه قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها ، فما أعجب بثوب ما أعجب به ، فجعل يمسه بيده ويقول : «انظروا ما أحسنه ! » وفي القوم أعرابي فقال : يا رسول الله هبها لي ، فخلعها ، فدفعها في يده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي ، وأبو سعيد بن الأعرابي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له أكيدر دومة جبة من سندس منسوج فيها الذهب ، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب الناس منها فقال : «أتعجبون من هذه ؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة أحسن منها » ، وأهداها إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال : يا رسول الله أتكرهها وألبسها ، فقال : «يا عمر إنما أرسلت بها لتبيعها » وذلك قبل أن ينهي عن الحرير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس فلبسها ، فكأني أنظر إلى يديها متدليتين من طولهما ، فجعل القوم يقولون : يا رسول الله أنزلت عليك من السماء ؟ فقال : «وما تعجبون منها ؟ فوالذي نفسي بيده إن منديلا من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها » ، ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلبسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لم أعطكها لتلبسها » ، قال : فما أصنع ؟ قال : «ابعث بها إلى أخيك النجاشي » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن قانع عن داود بن داود أن قيصر أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس ، فاستشار أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقالا : يا رسول الله ، نرى أن تلبسها ، يكبت الله بها عدوك ، ويسر المسلمين ، فلبسها ، وصعد المنبر فخطب ، وكان جميلا يتلألأ وجهه فيها ، ثم نزل فخلعها ، فلما قدم عليه جعفر وهبها له .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 299 ] وروى الطبراني عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة من سندس ، فما رأيناه منذ زمان أحمد منه في ذلك اليوم ، فقام فنزعها ، ثم خرج في برد حبرة فقال : «الحرير لباس أهل الجنة ، فمن لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد - بسند جيد - عن جابر رضي الله تعالى عنه : أن راهبا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة سندس فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى البيت فوضعها ، وأحس بوفد ، فأمر عمر رضي الله تعالى عنه أن يلبسها لقدوم الوفد فقال : «لا يصلح لنا لباسها في الدنيا ، وتصلح لنا في الآخرة » الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية