ثم لما قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له بشر بن معاوية وكنيته أبو علقمة . فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف فبينا هو يقرأه ، وأبو علقمة معه ، وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعس بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الأسقف عند ذلك : قد والله تعست نبيا مرسلا . فقال له بشر : لا جرم والله لا أحل عقدا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه . فقال له : افهم عني إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يقولوا إنا أخذنا حقه [أو رضينا بصورته] أو نجعنا بما لم تنجع به العرب ، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا .
فقال له بشر : لا والله لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا ، فضرب بشر ناقته ، وهو مولي الأسقف ظهره وارتجز يقول :
إليك تعدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها
قال : فأنزلوه فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء والقعب والعصا . فأقام الراهب مدة بعد ذلك يسمع الوحي والسنن والفرائض والحدود ، ثم رجع إلى قومه ولم يقدر له الإسلام ووعد أنه سيعود فلم يعد حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 423 ]