الباب الثاني والثلاثون في رضي الله تعالى عنه إلى عبد الله بن رواحة أسير أو يسير بن رزام بخيبر في شوال سنة ست . سرية
لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن رزام . فقام في يهود فقال : «والله ما سار محمد إلى أحد من يهود ولا بعث أحدا من أصحابه إلا أصاب منهم ما أراد ، ولكني أصنع ما لم يصنع أصحابي» . فقالوا : وما عسيت أن تصنع ؟ قال : (أسير في غطفان فأجمعهم ونسير إلى محمد في عقر داره؛ فإنه لم يغز أحد في عقر داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد ) . قالوا له : نعم ما رأيت . فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه في شهر رمضان ومعه ثلاثة نفر سرا ليكشف له الخبر . فأتى ناحية عبد الله بن رواحة خيبر فدخل في الحوائط وفرق أصحابه في النطاة والشق والكتيبة ، فوعوا ما سمعوا من أسير بن رزام أو غيره ، ثم خرجوا بعد مقام ثلاثة أيام . فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شهر رمضان فأخبره بكل ما رأى وسمع ، وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل الأشجعي فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءه . فقال : تركت أسير بن رزام يسير إليك في كتائب يهود ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا .
وذكر ابن عائذ أن عبد الله بن عتيك كان فيهم . وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أنيس قال : «كنت فيهم فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا عبد الله بن رواحة» . قال : «فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير إنا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له . قال : نعم؛ ولي مثل ذلك منكم . قلنا . نعم . فدخلنا عليه فقلنا : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك» . فلم يزالوا به حتى خرج معهم . وطمع في ذلك . وشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا : «ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل» قال : «بلى قد مللنا الحرب» .
فخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين . قال : ابن إسحاق
وحمل عبد الله بن أنيس أسير بن رزام على بعيره . قال عبد الله بن أنيس : «فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار وندم أسير وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري . وقلت : «أغدرا أي عدو الله ؟ » فدنوت منه لأنظر ما يصنع ، فتناول سيفي فغمزت بعيري وقلت : «هل من رجل ينزل يسوق بنا ؟ » فلم ينزل أحد ، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير ، فضربت . [ ص: 112 ]
بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأنددت عامة فخذه وساقه ، وسقط عن بعيره وفي يده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومة ، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا . ولم يصب من المسلمين أحد . ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قالوا : «تمشوا بنا إلى الثنية لنبحث عن أصحابنا» ، فخرجوا معه . فلما أشرفوا على الثنية إذ هم بسرعان أصحابنا؛ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فانتهينا إليه فحدثناه الحديث .
فقال : «قد نجاكم الله من القوم الظالمين» .
قال عبد الله بن أنيس : «فدنوت من النبي صلى الله عليه وسلم فنفث في شجتي فلم تقح بعد ذلك اليوم ولم تؤذني ، وكان العظم قد نغل . ومسح وجهي ودعا لي ، وقطع لي قطعة من عصاه .
فقال : «أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متحصرا» .
فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه .