الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين من قتل كافرا فله سلبه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن شيبة ، والإمام أحمد ، وابن حبان عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من قتل قتيلا فله سلبه”

                                                                                                                                                                                                                              قال : فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو قتادة : يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل عاتقه ، وعليه درع فأجهضت عنه فانظر في أخذها ، فقام رجل قال محمد بن عمر : اسمه أسود بن خزاعي الأسلمي ، حليف بني سلمة - كذا قال وفي الصحيح كما سيأتي : أنه قرشي ، فقال : يا رسول الله : أنا أخذتها فأرضه منها وأعطنيها ، قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، أو سكت ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر : والله لا يغنها الله تعالى علي أسد من أسد الله - تعالى - ويعطيكها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «صدق عمر” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة عن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله تعالى عنه - قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة . فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين . وفي رواية نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع ، وأقبل علي فضمني ضمة ، وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت ، فأرسلني ، فلحقت -

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية - فلقيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الناس الذين لم يهزموا ، فقلت : ما بال الناس ؟ قال : أمر الله تعالى ، فرجعوا وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه” فقمت فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله . فقمت فقلت : من يشهد لي ؟ ثم جلست ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله ، فقال : «ما لك يا أبا قتادة ؟ ” فأخبرته .
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 337 ]

                                                                                                                                                                                                                              وذكر محمد بن عمر : أن عبد الله بن أنيس شهد له فقال رجل : صدق سلبه عندي فأرضه مني - أو قال منيه - فقال أبو بكر : لا ها الله إذا ، لا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله - تعالى - ورسوله فيعطيك سلبه! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «صدق فأعطه إياه” فأعطانيه ،

                                                                                                                                                                                                                              وعند محمد بن عمر فقال لي حاطب بن أبي بلتعة : يا أبا قتادة ، أتبيع السلاح ؟ فبعته بسبع أواق ، فابتعت به مخرفا ، وفي رواية : خرافا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته ، وفي رواية :

                                                                                                                                                                                                                              اعتقبته - في الإسلام ، زاد محمد بن عمر يقال له الرديني قال في البداية في الرواية السابقة عن أنس : أن عمر قال ذلك ، وهو مستغرب ، والمشهور أن قائل ذلك أبو بكر كما في حديث أبي قتادة ، وقال الحافظ : الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة ، وهو صاحب القصة ، فهو أتقن لما وقع فيها من غيره ، قالا : فلعل عمر قال ذلك متابعة لأبي بكر ومساعدة له ، وموافقة ، فاشتبه على الراوي .

                                                                                                                                                                                                                              قال العلماء : لو لم يكن من فضيلة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلا هذا لكفى فإنه بثاقب علمه ، وشدة صرامته ، وقوة إنصافه ، وصحة توفيقه ، وصدق تحقيقه بادر إلى القول بالحق ، فزجر ، وأفتى ، وحكم ، وأمضى ، وأخبر في الشريعة عن المصطفى بحضرته وبين يديه ، وبما صدقه فيه وأجراه على قوله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال : غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على جمل أحمر ، فأناخه ، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ، ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر ، وبعضنا مشاة ، إذ خرج يشتد فأتى الجمل فأطلق قيده ، ثم أناخه ثم قعد عليه فاشتد به الجمل واتبعه رجل من أسلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة ورقاء ، وفي رواية : أتى عين من المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر ، فجلس عند أصحابه يتحدث . انتهى . ثم انفتل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «اطلبوه واقتلوه” قال سلمة :

                                                                                                                                                                                                                              وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل ، فأنخته ، فلما وضع ركبته على الأرض ، اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ، ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه ، فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه ، فقال : «من قتل الرجل” ؟ قالوا : ابن الأكوع ، قال : «له سلبه أجمع”
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 338 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية