الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر ما قيل إن الملائكة قاتلت يوم حنين والرعب الذي حصل للمشركين

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي حاتم عن السدي الكبير - رحمه الله تعالى - في قول الله عز وجل :

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل جنودا لم تروها قال : هم الملائكة وعذب الذين كفروا [التوبة 26] قال :

                                                                                                                                                                                                                              قتلهم بالسيف . وروى أيضا عن سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى - قال : في يوم حنين أمد الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال : «ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال : رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم يكن إلا هزيمة القوم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن شيوخ من قومه من الأنصار ، قالوا : رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاما ، فنظرنا فإذا رمل مبثوت ، فكنا ننفضه عن ثيابنا ، فكان نصر الله - تعالى - أيدنا به .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد في مسنده ، والبيهقي . وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال :

                                                                                                                                                                                                                              حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقوموا لنا حلب شاة أن كببناهم ، فبينما نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا بصاحب البغلة - وفي رواية - إذ غشينا ، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقتنا عنده ، وفي رواية : إذا بيننا وبينه رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا ، فرجعنا - وكانت إياها . [ ص: 328 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه - رضي الله عنه - قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ، والله ما خرجت إسلاما ، ولكن خرجت أنفا أن تظهر هوازن على قريش ، فإني لواقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قلت : يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا ، قال : «يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر” فضرب بيده في صدري وقال : «اللهم اهد شيبة” فعل ذلك ثلاث مرات - فو الله ما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله تعالى أحب إلي منه ، فالتقى المسلمون فقتل من قتل ، ثم أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ باللجام ، والعباس آخذ بالثغر ، فنادى العباس : أين المهاجرون ، أين أصحاب سورة البقرة - بصوت عال - هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل المسلمون والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : «أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب” فجالدوهم بالسيوف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «الآن حمي الوطيس” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد بن حميد ، والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - رضي الله عنه - وكان حضر يومئذ ، فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول : أن كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                              روى محمد بن عمر عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون : «لقد رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية من الحصى فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه ، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصى في الطاس ما يهدأ ذلك الخفقان ، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا ، على خيل بلق ، عليهم عمائم حمر ، قد أرخوها بين أكتافهم ، بين السماء والأرض كتائب كتائب ما يليقون شيئا ، ولا نستطيع أن نتأملهم من الرعب منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ربيعة بن أبزى قال : حدثني نفر من قومي ، حضروا يومئذ قالوا : كمنا لهم في المضايق والشعاب ، ثم حملنا عليهم حملة ، ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء ، وحوله رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا . فانهزمنا ، وركب المسلمون أكتافنا ، وكانت إياها ، وجعلنا نلتفت وإنا لننظر إليهم يكدوننا فتفرقت جماعتنا في كل وجه ، وجعلت الرعدة تستخفنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا ، فإن كنا ليحكى عنا الكلام ما ندري به ، لما كان بنا من الرعب ، وقذف الله - تعالى - الإسلام في قلوبنا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن شيوخ من ثقيف أسلموا بعد ما كانوا حضروا ذلك اليوم قالوا : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا - فيما نرى - ونحن مولون حتى إن الرجل ليدخل منا حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة . [ ص: 329 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية