الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر من زعم من أهل المغازي وغيرهم أن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي عن عروة ، وعن موسى بن عقبة ، وعن الزهري ، وعن ابن إسحاق ، وعن محمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : واللفظ لابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر ، وقد جمع سلاحه يقول من يبارز ويرتجز


                                                                                                                                                                                                                              قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب     أطعن أحيانا وحينا أضرب
                                                                                                                                                                                                                              إذا الليوث أقبلت تحرب

                                                                                                                                                                                                                              إن حماي للحمى لا يقرب

                                                                                                                                                                                                                              فأجابه كعب بن مالك فقال :


                                                                                                                                                                                                                              قد علمت خيبر أني كعب     مفرج الغمى جريء صلب
                                                                                                                                                                                                                              إذا شبت الحرب تلتها الحرب     معي حسام كالعقيق عضب
                                                                                                                                                                                                                              نطأكم حتى يذل الصعب     نعطي الجزاء أو يفيء النهب

                                                                                                                                                                                                                              بكف ماض ليس فيه عتب

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام : وأنشدني أبو زيد - رحمه الله :


                                                                                                                                                                                                                              قد علمت خيبر أني كعب     وأنني متى تشب الحرب
                                                                                                                                                                                                                              ماض على الهول جريء صلب     معي حسام كالعقيق عضب
                                                                                                                                                                                                                              بكف ماض ليس فيه عتب     ندككم حتى يذل الصعب

                                                                                                                                                                                                                              قال : ومرحب بن عميرة . [ ص: 128 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال جابر : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من لهذا ؟ » قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ، قال : «فقم إليه ، اللهم أعنه عليه»

                                                                                                                                                                                                                              قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله .
                                                                                                                                                                                                                              والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : جزم جماعة من أصحاب المغازي : بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا .

                                                                                                                                                                                                                              ولكن ثبت في صحيح مسلم كما تقدم عن سلمة بن الأكوع أن عليا - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا .

                                                                                                                                                                                                                              وورد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب ، وأبي نافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر ، وجزم به جماعة ، فما في صحيح مسلم مقدم عليه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما أنه أصح إسنادا ، الثاني . أن جابرا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، وغيرهما ، وقد شهدها سلمة وبريدة ، وأبو رافع - رضي الله عنهم - وهم أعلم ممن لم يشهدها ، وما قيل من أن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه ، ومر به علي فأجهز عليه ، يأباه حديث سلمة وأبي رافع ، والله أعلم . وصحح أبو عمر - رحمه الله - أن عليا - رضي الله عنه - هو الذي قتل مرحبا ، وقال ابن الأثير : إنه الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية