9 - ( فصل )
ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات ، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا .
وقد صرح الفقهاء كلهم بأن
nindex.php?page=treesubj&link=16340_20271_25967الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة ؟ وأين تحملوها ؟ وذلك واجب عليه ، متى عدل عنه أثم ، وجار في الحكم . وكذلك إذا
nindex.php?page=treesubj&link=25967_16340ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق ، وأين كان ، ونظر في الحال : هل يقتضي صحة ذلك ؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله كالأمين والمدعى عليه .
وجب عليه أن يستكشف الحال ، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال .
وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك ، وصار له فيه ملكة إلا وعرف المحق من المبطل ، وأوصل الحقوق إلى أهلها .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت : " هو من خير أهل الدنيا ، يقوم الليل حتى الصباح ، ويصوم النهار حتى يمسي ، ثم أدركها الحياء ، فقال : " جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثناء " . فلما ولت قال
كعب بن سور : " يا أمير المؤمنين ، لقد أبلغت في الشكوى إليك ، فقال : وما اشتكت ؟ قال : زوجها . قال : علي بهما . فقال
لكعب : اقض بينهما ، قال : أقضي وأنت شاهد ؟ قال : إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له ، قال : إن الله تعالى يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } صم ثلاثة أيام ، وأفطر عندها يوما . وقم ثلاث ليال ، وبت عندها ليلة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : هذا أعجب إلي من الأول " فبعثه قاضيا لأهل
البصرة . فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح في فراسته وفطنته . قال
الشعبي : شهدت
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا - وجاءته امرأة تخاصم رجلا - فأرسلت عينيها وبكت . فقلت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=16097أبا أمية ، ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة ؟ فقال : يا
شعبي ، إن إخوة
يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون .
[ ص: 25 ] وتقدم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية أربع نسوة ، فقال
إياس : أما إحداهن فحامل ، والأخرى مرضع ، والأخرى ثيب ، والأخرى بكر . فنظروا فوجدوا الأمر كما قال . قالوا : وكيف عرفت ؟ فقال : أما الحامل : فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها . فعرفت أنها حامل ، وأما المرضع : فكانت تضرب ثديها . فعرفت أنها مرضع ، وأما الثيب : فكانت تكلمني وعينها في عيني فعرفت أنها ثيب ، وأما البكر : فكانت تكلمني وعينها في الأرض ، فعرفت أنها بكر .
وقال
المدائني عن
nindex.php?page=showalam&ids=15899روح : استودع رجلا من أمناء الناس مالا . ثم رجع فطلبه فجحده ، فأتى
إياسا فأخبره . فقال له
إياس : انصرف واكتم أمرك ، ولا تعلمه أنك أتيتني . ثم عد إلي بعد يومين . فدعا
إياس المودع ، فقال : قد حضر مال كثير ، وأريد أن أسلمه إليك ، أفحصين منزلك ؟ قال : نعم . قال : فأعد له موضعا وحمالين . وعاد الرجل إلى
إياس ، فقال : انطلق إلى صاحبك فاطلب المال . فإن أعطاك فذاك ، وإن جحدك فقل له : إني أخبر القاضي . فأتى الرجل صاحبه فقال : مالي ، وإلا أتيت القاضي ، وشكوت إليه ، وأخبرته بأمري ، فدفع إليه ماله ، فرجع الرجل إلى
إياس ، فقال : قد أعطاني المال وجاء الأمين إلى
إياس لموعده ، فزجره وانتهره ، وقال لا تقربني يا خائن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون رحمه الله تقلد
بواسط رجل ثقة ، فأودع رجل بعض شهوده كيسا مختوما ، وذكر أن فيه ألف دينار .
فلما طالت غيبة الرجل فتق الشاهد الكيس من أسفله وأخذ الدنانير ، وجعل مكانها دراهم ، وأعاد الخياطة كما كانت .
وجاء صاحبه ، فطلب وديعته ، فدفع إليه الكيس بختمه لم يتغير ، فلما فتحه وشاهد الحال رجع إليه ، فقال : إني أودعتك دنانير ، والذي دفعت إلي دراهم ، فقال : هو كيسك بخاتمك فاستعدى عليه القاضي ، فأمر بإحضار المودع ، فلما صارا بين يديه قال له القاضي منذ كم أودعك هذا الكيس ؟ فقال : منذ خمس عشرة سنة ، فأخذ القاضي تلك الدراهم وقرأ سكتها ، فإذا فيها ما قد ضرب من سنتين أو ثلاث ، فأمره بدفع الدنانير إليه ، وأسقطه ونادى عليه .
واستودع رجل لغيره مالا ، فجحده ، فرفعه إلى
إياس ، فسأله فأنكر ؟ فقال للمدعي : أين دفعت إليه ؟ فقال : في مكان في البرية ، فقال : وما كان هناك ، قال : شجرة ، قال : اذهب إليها فلعلك دفنت المال عندها ونسيت ، فتذكر إذا رأيت الشجرة ; فمضى ، وقال للخصم : اجلس حتى يرجع صاحبك ،
وإياس يقضي وينظر إليه ساعة بعد ساعة . ثم قال له : يا هذا ، أترى صاحبك قد بلغ مكان الشجرة ؟ قال : لا ، قال : يا عدو الله ، إنك خائن ، قال : أقلني ، قال : لا أقالك الله . وأمر أن يحتفظ به حتى جاء الرجل ، فقال له
إياس : اذهب معه فخذ حقك .
وجرى نظير هذه القضية لغيره من القضاة : ادعى عنده رجل أنه سلم غريما له مالا وديعة فأنكره ، فقال له القاضي : أين سلمته إياه ؟ قال : بمسجد ناء عن البلد .
قال : اذهب فجئني منه بمصحف
[ ص: 26 ] أحلفه عليه ، فمضى ، واعتقل القاضي الغريم ، ثم قال له : أتراه بلغ المسجد ؟ قال : لا فألزمه بالمال .
وكان القاضي
أبو حازم له في ذلك العجب العجاب ، وكانوا ينكرون عليه ، ثم يظهر الحق فيما يفعله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17138مكرم بن أحمد : كنت في مجلس القاضي
أبي حازم فتقدم رجل شيخ ومعه غلام حدث ، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينا ، فقال : ما تقول ؟ قال : نعم . فقال القاضي للشيخ ما تريد ؟ قال : حبسه ؟ قال : لا ، فقال الشيخ : إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالي . فتفرس
أبو حازم فيهما ساعة . ثم قال : تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس آخر ، فقلت له : لم أخرت حبسه ؟ فقال : ويحك ، إني أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل ، وقد صارت لي بذلك دراية لا تكاد تخطئ ، وقد وقع إلي أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على بصيرة ، أما رأيت قلة تقصيهما في الناكرة ، وقلة اختلافهما ، وسكون طباعهما مع عظم المال ؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يقر مثل هذا طوعا عجلا ، منشرح . الصدر على هذا المال ، قال : فنحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذن على القاضي لبعض التجار ، فأذن له ، فلما دخل قال : أصلح الله القاضي ، إني بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالي في القيان عند فلان فإذا منعته احتال بحيل تضطرني إلى التزام الغرم عنه . وقد نصب اليوم صاحب القيان يطالب بألف دينار حالا ، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقر له فيحبسه . وأقع مع أمه فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضي عنه . فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له أمره ، فتبسم القاضي ، وقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : هذا من فضل الله على القاضي ، فقال : علي بالغلام والشيخ . فأرهب
أبو حازم الشيخ ، ووعظ الغلام . فأقرا ، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11864أبو السائب : كان ببلدنا رجل مستور الحال ، فأحب القاضي قبول قوله ، فسأل عنه فزكي عنده سرا وجهرا ، فراسله في حضور مجلسه لإقامة شهادة وجلس القاضي وحضر الرجل ، فلما أراد إقامة الشهادة لم يقبله القاضي فسئل عن السبب ؟ فقال : انكشف لي أنه مراء ، فلم يسعني قبول قوله ، فقيل له : ومن أين علمت ذلك ؟ قال : كان يدخل إلي في كل يوم فأعد خطاه من حيث تقع عيني عليه من الباب إلى مجلسي ، فلما دعوته اليوم جاء ، فعددت خطاه من ذلك المكان فإذا هي قد زادت ثلاثا أو نحوها ، فعلمت أنه متصنع فلم أقبله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : شهد
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق عند بعض القضاة ، فقال : قد أجزنا شهادة
أبي فراس وزيدونا ، فقيل له حين انصرف : إنه والله ما أجاز شهادتك .
[ ص: 27 ] ولله فراسة من هو إمام المتفرسين ، وشيخ المتوسمين :
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم تكن تخطئ له فراسة ، وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : أتي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يوما بفتى أمرد ، وقد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق ، فسأل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر ، فشق ذلك عليه ; فقال : اللهم أظفرني بقاتله ، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل ، فأتي به
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ; فقال : ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى ; فدفع الصبي إلى امرأة ، وقال لها : قومي بشأنه ، وخذي منا نفقته ، وانظري من يأخذه منك ; فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها . فلما شب الصبي جاءت جارية ، فقالت للمرأة : إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك ، قالت : نعم ، اذهبي به إليها ، وأنا معك . فذهبت بالصبي والمرأة معها ، حتى دخلت على سيدتها ، فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها ; فإذا هي ابنة شيخ من
الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأخبرته ، فاشتمل على سيفه ، ثم أقبل إلى منزل المرأة . فوجد أباها متكئا على باب داره ، فقال له : يا فلان ، ما فعلت ابنتك فلانة ؟ . قال : جزاها الله خيرا يا أمير المؤمنين ، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها ، مع حسن صلاتها وصيامها ، والقيام بدينها . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : قد أحببت أن أدخل إليها ، فأزيدها رغبة في الخير ، وأحثها عليه ; فدخل أبوها ، ودخل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر معه . فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من عندها فخرج ، وبقي هو والمرأة في البيت ، فكشف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن السيف ، وقال : أصدقيني ، وإلا ضربت عنقك ، وكان لا يكذب . فقالت : على رسلك ، فوالله لأصدقن : إن عجوزا كانت تدخل علي فأتخذها أما ، وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة . وكنت لها بمنزلة البنت ، حتى مضى لذلك حين ، ثم إنها قالت : يا بنية ، إنه قد عرض لي سفر ، ولي ابنة في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع ، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري ، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد ، فهيأته كهيئة الجارية ، وأتتني به ، لا أشك أنه جارية ; فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية ، حتى اغتفلني يوما وأنا نائمة ، فما شعرت حتى علاني وخالطني ، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جانبي فقتلته . ثم أمرت به فألقي حيث رأيت ، فاشتملت منه على هذا الصبي ، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه . فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك . فقال : صدقت ، ثم أوصاها ، ودعا لها وخرج . وقال لأبيها : نعمت الابنة ابنتك ; ثم انصرف .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : بينما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جالس إذا رأى رجلا ، فقال : " لست ذا رأي إن لم يكن هذا الرجل قد كان ينظر في الكهانة ، ادعوه لي ، فدعوه ، فقال : هل كنت تنظر ، وتقول في الكهانة شيئا ؟ قال : نعم " .
[ ص: 28 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
يحيى بن سعيد : إن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال لرجل : " ما اسمك ؟ قال :
جمرة . قال : ابن من ؟ قال :
ابن شهاب . قال : ممن ؟ قال : من
الحرقة . قال : أين مسكنك ؟ قال : بحرة النار . قال : أيها ؟ قال : بذات لظى . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا " . فكان كما قال . ومن فراسته التي تفرد بها عن الأمة أنه قال : " يا رسول الله ، لو اتخذت من
مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقال : " يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب " . واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة ، فقال لهن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } فنزلت كذلك .
[ ص: 29 ] وشاوره رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم
بدر ، فأشار بقتلهم ، ونزل القرآن بموافقته .
وقد أثنى الله سبحانه على فراسة المتوسمين ، وأخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " أفرس الناس " ثلاثة :
امرأة فرعون في
موسى ، حيث قالت : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9قرة عين لي ولك ، لا تقتلوه ، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وصاحب
يوسف ، حيث قال لامرأته : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } .
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر الصديق في
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنهما ، حيث جعله الخليفة بعده " .
ودخل رجل على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، رضي الله عنه ; فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : " يدخل علي أحدكم والزنا في عينيه ، فقال : أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا ; ولكن فراسة صادقة " ومن هذه الفراسة : أنه رضي الله عنه لما تفرس أنه مقتول ولا بد أمسك عن القتال ، والدفع عن نفسه ، لئلا يجري بين المسلمين قتال ، وآخر الأمر يقتل هو ، فأحب أن يقتل من غير قتال يقع بين المسلمين .
ومن ذلك : فراسة
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين لما ودعه ، وقال : " أستودعك الله من قتيل " ، ومعه كتب أهل
العراق ، فكانت فراسة
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أصدق من كتبهم .
ومن ذلك : أن رجلين من
قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة ، وقالا : لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه . فلبثا حولا ، فجاء أحدهما ، فقال : إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير . فأبت ، وقالت : إنكما قلتما لي لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ، فلست بدافعتها إليك ; فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه ، ثم لبثت حولا آخر ; فجاء الآخر . فقال : ادفعي إلي الدنانير . فقالت : إن صاحبك جاءني فزعم أنك قد مت ، فدفعتها إليه . فاختصما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فأراد أن
[ ص: 30 ] يقضي عليها . فقالت : ادفعنا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، فعرف
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنهما قد مكرا بها ; فقال : أليس قد قلتما : لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟ قالا : بلى ; قال : فإن مالك عندها ، فاذهب فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما .
9 - ( فَصْلٌ )
وَلَمْ يَزَلْ حُذَّاقُ الْحُكَّامِ وَالْوُلَاةِ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ بِالْفِرَاسَةِ وَالْأَمَارَاتِ ، فَإِذَا ظَهَرَتْ لَمْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا شَهَادَةً تُخَالِفُهَا وَلَا إقْرَارًا .
وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16340_20271_25967الْحَاكِمَ إذَا ارْتَابَ بِالشُّهُودِ فَرَّقَهُمْ وَسَأَلَهُمْ : كَيْفَ تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ ؟ وَأَيْنَ تَحَمَّلُوهَا ؟ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، مَتَى عَدَلَ عَنْهُ أَثِمَ ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ . وَكَذَلِكَ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=25967_16340ارْتَابَ بِالدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعِي عَنْ سَبَبِ الْحَقِّ ، وَأَيْنَ كَانَ ، وَنَظَرَ فِي الْحَالِ : هَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَلِكَ ؟ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَابَ بِمَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ كَالْأَمِينِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَكْشِفَ الْحَالَ ، وَيَسْأَلَ عَنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ .
وَقَلَّ حَاكِمٌ أَوْ وَالٍ اعْتَنَى بِذَلِكَ ، وَصَارَ لَهُ فِيهِ مَلَكَةٌ إلَّا وَعَرَفَ الْمُحِقَّ مِنْ الْمُبْطِلِ ، وَأَوْصَلَ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا .
فَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَشَكَرَتْ عِنْدَهُ زَوْجَهَا وَقَالَتْ : " هُوَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ ، وَيَصُومُ النَّهَارَ حَتَّى يُمْسِيَ ، ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْحَيَاءُ ، فَقَالَ : " جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَحْسَنْت الثَّنَاءَ " . فَلَمَّا وَلَّتْ قَالَ
كَعْبُ بْنُ سَوْرٍ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ أَبْلَغَتْ فِي الشَّكْوَى إلَيْك ، فَقَالَ : وَمَا اشْتَكَتْ ؟ قَالَ : زَوْجَهَا . قَالَ : عَلَيَّ بِهِمَا . فَقَالَ
لِكَعْبٍ : اقْضِ بَيْنَهُمَا ، قَالَ : أَقْضِي وَأَنْتَ شَاهِدٌ ؟ قَالَ : إنَّك قَدْ فَطِنْت إلَى مَا لَمْ أَفْطَنْ لَهُ ، قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَأَفْطِرْ عِنْدَهَا يَوْمًا . وَقُمْ ثَلَاثَ لَيَالٍ ، وَبِتْ عِنْدَهَا لَيْلَةً ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ الْأَوَّلِ " فَبَعَثَهُ قَاضِيًا لِأَهْلِ
الْبَصْرَةِ . فَكَانَ يَقَعُ لَهُ فِي الْحُكُومَةِ مِنْ الْفِرَاسَةِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحٌ فِي فِرَاسَتِهِ وَفِطْنَتِهِ . قَالَ
الشَّعْبِيُّ : شَهِدْت
nindex.php?page=showalam&ids=16097شُرَيْحًا - وَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تُخَاصِمُ رَجُلًا - فَأَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا وَبَكَتْ . فَقُلْت : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=16097أَبَا أُمَيَّةَ ، مَا أَظُنُّ هَذِهِ الْبَائِسَةَ إلَّا مَظْلُومَةً ؟ فَقَالَ : يَا
شَعْبِيُّ ، إنَّ إخْوَةَ
يُوسُفَ جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ .
[ ص: 25 ] وَتَقَدَّمَ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12444إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ
إيَاسٌ : أَمَّا إحْدَاهُنَّ فَحَامِلٌ ، وَالْأُخْرَى مُرْضِعٌ ، وَالْأُخْرَى ثَيِّبٌ ، وَالْأُخْرَى بِكْرٌ . فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ . قَالُوا : وَكَيْف عَرَفْتَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْحَامِلُ : فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَتَرْفَعُ ثَوْبَهَا عَنْ بَطْنِهَا . فَعَرَفْت أَنَّهَا حَامِلٌ ، وَأَمَّا الْمُرْضِعُ : فَكَانَتْ تَضْرِبُ ثَدْيَهَا . فَعَرَفْتُ أَنَّهَا مُرْضِعٌ ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ : فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَعَيْنُهَا فِي عَيْنِي فَعَرَفْتُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ ، وَأَمَّا الْبِكْرُ : فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَعَيْنُهَا فِي الْأَرْضِ ، فَعَرَفْت أَنَّهَا بِكْرٌ .
وَقَالَ
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15899رَوْحٍ : اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مِنْ أُمَنَاءِ النَّاسِ مَالًا . ثُمَّ رَجَعَ فَطَلَبَهُ فَجَحَدَهُ ، فَأَتَى
إيَاسًا فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ
إيَاسٌ : انْصَرِفْ وَاكْتُمْ أَمْرَك ، وَلَا تُعْلِمْهُ أَنَّك أَتَيْتَنِي . ثُمَّ عُدْ إلَيَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ . فَدَعَا
إيَاسٌ الْمُودَعَ ، فَقَالَ : قَدْ حَضَرَ مَالٌ كَثِيرٌ ، وَأُرِيدُ أَنْ أُسَلِّمَهُ إلَيْك ، أَفَحَصِينٌ مَنْزِلُك ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَعِدَّ لَهُ مَوْضِعًا وَحَمَّالِينَ . وَعَادَ الرَّجُلُ إلَى
إيَاسٍ ، فَقَالَ : انْطَلِقْ إلَى صَاحِبِك فَاطْلُبْ الْمَالَ . فَإِنْ أَعْطَاك فَذَاكَ ، وَإِنْ جَحَدَك فَقُلْ لَهُ : إنِّي أُخْبِرُ الْقَاضِيَ . فَأَتَى الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فَقَالَ : مَالِي ، وَإِلَّا أَتَيْت الْقَاضِيَ ، وَشَكَوْت إلَيْهِ ، وَأَخْبَرْته بِأَمْرِي ، فَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إلَى
إيَاسٍ ، فَقَالَ : قَدْ أَعْطَانِي الْمَالَ وَجَاءَ الْأَمِينُ إلَى
إيَاسٍ لِمَوْعِدِهِ ، فَزَجَرَهُ وَانْتَهَرَهُ ، وَقَالَ لَا تَقْرَبْنِي يَا خَائِنُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17376يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَقَلَّدَ
بِوَاسِطٍ رَجُلٌ ثِقَةٌ ، فَأَوْدَعَ رَجُلٌ بَعْضَ شُهُودِهِ كِيسًا مَخْتُومًا ، وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِينَارٍ .
فَلَمَّا طَالَتْ غَيْبَةُ الرَّجُلِ فَتَقَ الشَّاهِدُ الْكِيسَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَأَخَذَ الدَّنَانِيرَ ، وَجَعَلَ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ ، وَأَعَادَ الْخِيَاطَةَ كَمَا كَانَتْ .
وَجَاءَ صَاحِبُهُ ، فَطَلَبَ وَدِيعَتَهُ ، فَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِيسَ بِخَتْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، فَلَمَّا فَتَحَهُ وَشَاهَدَ الْحَالَ رَجَعَ إلَيْهِ ، فَقَالَ : إنِّي أَوْدَعْتُك دَنَانِيرَ ، وَاَلَّذِي دَفَعْت إلَيَّ دَرَاهِمُ ، فَقَالَ : هُوَ كِيسُك بِخَاتَمِك فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الْقَاضِيَ ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْمُودَعَ ، فَلَمَّا صَارَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ الْقَاضِي مُنْذُ كَمْ أَوْدَعَك هَذَا الْكِيسَ ؟ فَقَالَ : مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَأَخَذَ الْقَاضِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَقَرَأَ سِكَّتَهَا ، فَإِذَا فِيهَا مَا قَدْ ضُرِبَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ ، فَأَمَرَهُ بِدَفْعِ الدَّنَانِيرِ إلَيْهِ ، وَأَسْقَطَهُ وَنَادَى عَلَيْهِ .
وَاسْتَوْدَعَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ مَالًا ، فَجَحَدَهُ ، فَرَفَعَهُ إلَى
إيَاسٍ ، فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ ؟ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي : أَيْنَ دَفَعْت إلَيْهِ ؟ فَقَالَ : فِي مَكَان فِي الْبَرِيَّةِ ، فَقَالَ : وَمَا كَانَ هُنَاكَ ، قَالَ : شَجَرَةٌ ، قَالَ : اذْهَبْ إلَيْهَا فَلَعَلَّك دَفَنْت الْمَالَ عِنْدَهَا وَنَسِيت ، فَتَذْكُرَ إذَا رَأَيْت الشَّجَرَةَ ; فَمَضَى ، وَقَالَ لِلْخَصْمِ : اجْلِسْ حَتَّى يَرْجِعَ صَاحِبُك ،
وَإِيَاسٌ يَقْضِي وَيَنْظُرُ إلَيْهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا هَذَا ، أَتَرَى صَاحِبَك قَدْ بَلَغَ مَكَانَ الشَّجَرَةِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إنَّك خَائِنٌ ، قَالَ : أَقِلْنِي ، قَالَ : لَا أَقَالَك اللَّهُ . وَأَمَرَ أَنْ يُحْتَفَظَ بِهِ حَتَّى جَاءَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ لَهُ
إيَاسٌ : اذْهَبْ مَعَهُ فَخُذْ حَقَّك .
وَجَرَى نَظِيرُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ : ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ سَلَّمَ غَرِيمًا لَهُ مَالًا وَدِيعَةً فَأَنْكَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي : أَيْنَ سَلَّمْته إيَّاهُ ؟ قَالَ : بِمَسْجِدٍ نَاءٍ عَنْ الْبَلَدِ .
قَالَ : اذْهَبْ فَجِئْنِي مِنْهُ بِمُصْحَفٍ
[ ص: 26 ] أُحَلِّفُهُ عَلَيْهِ ، فَمَضَى ، وَاعْتَقَلَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَتُرَاهُ بَلَغَ الْمَسْجِدَ ؟ قَالَ : لَا فَأَلْزَمَهُ بِالْمَالِ .
وَكَانَ الْقَاضِي
أَبُو حَازِمٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَجَبُ الْعُجَابُ ، وَكَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْحَقُّ فِيمَا يَفْعَلُهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17138مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ : كُنْت فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي
أَبِي حَازِمٍ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ شَيْخٌ وَمَعَهُ غُلَامٌ حَدَثٌ ، فَادَّعَى الشَّيْخُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ دَيْنًا ، فَقَالَ : مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ الْقَاضِي لِلشَّيْخِ مَا تُرِيدُ ؟ قَالَ : حَبْسَهُ ؟ قَالَ : لَا ، فَقَالَ الشَّيْخُ : إنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهُ فَهُوَ أَرْجَى لِحُصُولِ مَالِي . فَتَفَرَّسَ
أَبُو حَازِمٍ فِيهِمَا سَاعَةً . ثُمَّ قَالَ : تَلَازَمَا حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ، فَقُلْت لَهُ : لِمَ أَخَّرْت حَبْسَهُ ؟ فَقَالَ : وَيْحَك ، إنِّي أَعْرِفُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ فِي وُجُوهِ الْخُصُومِ وَجْهَ الْمُحِقِّ مِنْ الْمُبْطِلِ ، وَقَدْ صَارَتْ لِي بِذَلِكَ دِرَايَةٌ لَا تَكَادُ تُخْطِئُ ، وَقَدْ وَقَعَ إلَيَّ أَنَّ سَمَاحَةَ هَذَا بِالْإِقْرَارِ عَيْنُ كَذِبِهِ وَلَعَلَّهُ يَنْكَشِفُ لِي مِنْ أَمْرِهِمَا مَا أَكُونُ مَعَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ ، أَمَا رَأَيْت قِلَّةَ تَقَصِّيهِمَا فِي النَّاكِرَةِ ، وَقِلَّةَ اخْتِلَافِهِمَا ، وَسُكُونَ طِبَاعِهِمَا مَعَ عِظَمِ الْمَالِ ؟ وَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْأَحْدَاثِ بِفَرْطِ التَّوَرُّعِ حَتَّى يُقِرَّ مِثْلُ هَذَا طَوْعًا عَجِلًا ، مُنْشَرِحَ . الصَّدْرِ عَلَى هَذَا الْمَالِ ، قَالَ : فَنَحْنُ كَذَلِكَ نَتَحَدَّثُ إذْ أَتَى الْآذِنُ يَسْتَأْذِنُ عَلَى الْقَاضِي لِبَعْضِ التُّجَّارِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْقَاضِيَ ، إنِّي بُلِيت بِوَلَدٍ لِي حَدَثٍ يُتْلِفُ كُلَّ مَالٍ يَظْفَرُ بِهِ مِنْ مَالِي فِي الْقِيَانِ عِنْدَ فُلَانٍ فَإِذَا مَنَعْته احْتَالَ بِحِيَلٍ تَضْطَرُّنِي إلَى الْتِزَامِ الْغُرْمِ عَنْهُ . وَقَدْ نَصَبَ الْيَوْمَ صَاحِبُ الْقِيَانِ يُطَالِبُ بِأَلْفِ دِينَارٍ حَالًّا ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي لِيُقِرَّ لَهُ فَيَحْبِسَهُ . وَأَقَعَ مَعَ أُمِّهِ فِيمَا يُنَكِّدُ عَيْشَنَا إلَى أَنْ أَقْضِيَ عَنْهُ . فَلَمَّا سَمِعْت بِذَلِكَ بَادَرْت إلَى الْقَاضِي لِأَشْرَحَ لَهُ أَمْرَهُ ، فَتَبَسَّمَ الْقَاضِي ، وَقَالَ لِي : كَيْفَ رَأَيْت ؟ فَقُلْت : هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى الْقَاضِي ، فَقَالَ : عَلَيَّ بِالْغُلَامِ وَالشَّيْخِ . فَأَرْهَبَ
أَبُو حَازِمٍ الشَّيْخَ ، وَوَعَظَ الْغُلَامَ . فَأَقَرَّا ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ ابْنَهُ وَانْصَرَفَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11864أَبُو السَّائِبِ : كَانَ بِبَلَدِنَا رَجُلٌ مَسْتُورُ الْحَالِ ، فَأَحَبَّ الْقَاضِي قَبُولَ قَوْلِهِ ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَزُكِّيَ عِنْدَهُ سِرًّا وَجَهْرًا ، فَرَاسَلَهُ فِي حُضُورِ مَجْلِسِهِ لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ وَجَلَسَ الْقَاضِي وَحَضَرَ الرَّجُلُ ، فَلَمَّا أَرَادَ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَقْبَلْهُ الْقَاضِي فَسُئِلَ عَنْ السَّبَبِ ؟ فَقَالَ : انْكَشَفَ لِي أَنَّهُ مُرَاءٍ ، فَلَمْ يَسَعْنِي قَبُولُ قَوْلِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ ؟ قَالَ : كَانَ يَدْخُلُ إلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَأَعُدُّ خُطَاهُ مِنْ حَيْثُ تَقَعُ عَيْنِي عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ إلَى مَجْلِسِي ، فَلَمَّا دَعَوْته الْيَوْمَ جَاءَ ، فَعَدَدْت خُطَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِذَا هِيَ قَدْ زَادَتْ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهَا ، فَعَلِمْت أَنَّهُ مُتَصَنِّعٌ فَلَمْ أَقْبَلْهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةَ : شَهِدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقُ عِنْدَ بَعْضِ الْقُضَاةِ ، فَقَالَ : قَدْ أَجَزْنَا شَهَادَةَ
أَبِي فِرَاسٍ وَزَيْدُونًا ، فَقِيلَ لَهُ حِينَ انْصَرَفَ : إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا أَجَازَ شَهَادَتَك .
[ ص: 27 ] وَلِلَّهِ فِرَاسَةُ مَنْ هُوَ إمَامُ الْمُتَفَرِّسِينَ ، وَشَيْخُ الْمُتَوَسِّمِينَ :
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي لَمْ تَكُنْ تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ ، وَكَانَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِالْفِرَاسَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْوَحْيِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : أُتِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا بِفَتًى أَمْرَدَ ، وَقَدْ وُجِدَ قَتِيلًا مُلْقًى عَلَى وَجْهِ الطَّرِيقِ ، فَسَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ عَنْ أَمْرِهِ وَاجْتَهَدَ فَلَمْ يَقِفْ لَهُ عَلَى خَبَرٍ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَظْفِرْنِي بِقَاتِلِهِ ، حَتَّى إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وُجِدَ صَبِيٌّ مَوْلُودٌ مُلْقًى بِمَوْضِعِ الْقَتِيلِ ، فَأُتِيَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ; فَقَالَ : ظَفِرْت بِدَمِ الْقَتِيلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ; فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى امْرَأَةٍ ، وَقَالَ لَهَا : قُومِي بِشَأْنِهِ ، وَخُذِي مِنَّا نَفَقَتَهُ ، وَانْظُرِي مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْك ; فَإِذَا وَجَدْت امْرَأَةً تُقَبِّلُهُ وَتَضُمُّهُ إلَى صَدْرِهَا فَأَعْلِمِينِي بِمَكَانِهَا . فَلَمَّا شَبَّ الصَّبِيُّ جَاءَتْ جَارِيَةٌ ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ : إنَّ سَيِّدَتِي بَعَثَتْنِي إلَيْك لِتَبْعَثِي بِالصَّبِيِّ لِتَرَاهُ وَتَرُدَّهُ إلَيْك ، قَالَتْ : نَعَمْ ، اذْهَبِي بِهِ إلَيْهَا ، وَأَنَا مَعَك . فَذَهَبَتْ بِالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةُ مَعَهَا ، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى سَيِّدَتِهَا ، فَلَمَّا رَأَتْهُ أَخَذْته فَقَبَّلَتْهُ وَضَمَّتْهُ إلَيْهَا ; فَإِذَا هِيَ ابْنَةُ شَيْخٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ ، فَاشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى مَنْزِل الْمَرْأَةِ . فَوَجَدَ أَبَاهَا مُتَّكِئًا عَلَى بَابِ دَارِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا فُلَانُ ، مَا فَعَلَتْ ابْنَتُك فُلَانَةُ ؟ . قَالَ : جَزَاهَا اللَّهُ خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هِيَ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسِ بِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ أَبِيهَا ، مَعَ حُسْنِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا ، وَالْقِيَامِ بِدِينِهَا . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : قَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَدْخُلَ إلَيْهَا ، فَأَزِيدَهَا رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ ، وَأَحُثَّهَا عَلَيْهِ ; فَدَخَلَ أَبُوهَا ، وَدَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ مَعَهُ . فَأَمَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ مَنْ عِنْدَهَا فَخَرَجَ ، وَبَقِيَ هُوَ وَالْمَرْأَةُ فِي الْبَيْتِ ، فَكَشَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ عَنْ السَّيْفِ ، وَقَالَ : أَصْدِقِينِي ، وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَك ، وَكَانَ لَا يَكْذِبُ . فَقَالَتْ : عَلَى رِسْلِك ، فَوَاَللَّهِ لَأَصْدُقَنَّ : إنَّ عَجُوزًا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيَّ فَأَتَّخِذُهَا أُمًّا ، وَكَانَتْ تَقُومُ مِنْ أَمْرِي بِمَا تَقُومُ بِهِ الْوَالِدَةُ . وَكُنْت لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ ، حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ حِينٌ ، ثُمَّ إنَّهَا قَالَتْ : يَا بُنَيَّةُ ، إنَّهُ قَدْ عَرَضَ لِي سَفَرٌ ، وَلِي ابْنَةٌ فِي مَوْضِعِ أَتَخَوَّفُ عَلَيْهَا فِيهِ أَنْ تَضِيعَ ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَضُمَّهَا إلَيْك حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ سَفَرِي ، فَعَمَدَتْ إلَى ابْنٍ لَهَا شَابٍّ أَمْرَدَ ، فَهَيَّأْته كَهَيْئَةِ الْجَارِيَةِ ، وَأَتَتْنِي بِهِ ، لَا أَشُكُّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ ; فَكَانَ يَرَى مِنِّي مَا تَرَى الْجَارِيَةُ مِنْ الْجَارِيَةِ ، حَتَّى اغْتَفَلَنِي يَوْمًا وَأَنَا نَائِمَةٌ ، فَمَا شَعَرْت حَتَّى عَلَانِي وَخَالَطَنِي ، فَمَدَدْت يَدِي إلَى شَفْرَةٍ كَانَتْ إلَى جَانِبِي فَقَتَلْته . ثُمَّ أَمَرْت بِهِ فَأُلْقِيَ حَيْثُ رَأَيْت ، فَاشْتَمَلْت مِنْهُ عَلَى هَذَا الصَّبِيِّ ، فَلَمَّا وَضَعْته أَلْقَيْته فِي مَوْضِعِ أَبِيهِ . فَهَذَا وَاَللَّهِ خَبَرُهُمَا عَلَى مَا أَعْلَمْتُك . فَقَالَ : صَدَقْت ، ثُمَّ أَوْصَاهَا ، وَدَعَا لَهَا وَخَرَجَ . وَقَالَ لِأَبِيهَا : نِعْمَتْ الِابْنَةُ ابْنَتُك ; ثُمَّ انْصَرَفَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : بَيْنَمَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ جَالِسٌ إذَا رَأَى رَجُلًا ، فَقَالَ : " لَسْت ذَا رَأْيٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْكِهَانَةِ ، اُدْعُوهُ لِي ، فَدَعَوْهُ ، فَقَالَ : هَلْ كُنْت تَنْظُرُ ، وَتَقُولُ فِي الْكِهَانَةِ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ " .
[ ص: 28 ]
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ : " مَا اسْمُك ؟ قَالَ :
جَمْرَةُ . قَالَ : ابْنُ مَنْ ؟ قَالَ :
ابْنُ شِهَابٍ . قَالَ : مِمَّنْ ؟ قَالَ : مِنْ
الْحُرْقَةِ . قَالَ : أَيْنَ مَسْكَنُك ؟ قَالَ : بِحَرَّةِ النَّارِ . قَالَ : أَيُّهَا ؟ قَالَ : بِذَاتِ لَظًى . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا " . فَكَانَ كَمَا قَالَ . وَمِنْ فِرَاسَتِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ اتَّخَذْت مِنْ
مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ؟ فَنَزَلَتْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وَقَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْت نِسَاءَك أَنْ يَحْتَجِبْنَ ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ " . وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ فِي الْغِيرَةِ ، فَقَالَ لَهُنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=5عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ .
[ ص: 29 ] وَشَاوَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسَارَى يَوْمِ
بَدْرٍ ، فَأَشَارَ بِقَتْلِهِمْ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ .
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى فِرَاسَةِ الْمُتَوَسِّمِينَ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَفَرَسُ النَّاسِ " ثَلَاثَةٌ :
امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فِي
مُوسَى ، حَيْثُ قَالَتْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=9قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَك ، لَا تَقْتُلُوهُ ، عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } وَصَاحِبُ
يُوسُفَ ، حَيْثُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } .
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، حَيْثُ جَعَلَهُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ " .
وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ : " يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ وَالزِّنَا فِي عَيْنَيْهِ ، فَقَالَ : أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : لَا ; وَلَكِنْ فِرَاسَةٌ صَادِقَةٌ " وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَاسَةِ : أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا تَفَرَّسَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَلَا بُدَّ أَمْسَكَ عَنْ الْقِتَالِ ، وَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ ، لِئَلَّا يَجْرِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ ، وَآخِرُ الْأَمْرِ يُقْتَلُ هُوَ ، فَأَحَبَّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَمِنْ ذَلِكَ : فِرَاسَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ لَمَّا وَدَّعَهُ ، وَقَالَ : " أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ " ، وَمَعَهُ كُتُبُ أَهْلِ
الْعِرَاقِ ، فَكَانَتْ فِرَاسَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَصْدَقُ مِنْ كُتُبِهِمْ .
وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ
قُرَيْشٍ دَفَعَا إلَى امْرَأَةٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَدِيعَةً ، وَقَالَا : لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ . فَلَبِثَا حَوْلًا ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا ، فَقَالَ : إنَّ صَاحِبِي قَدْ مَاتَ فَادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ . فَأَبَتْ ، وَقَالَتْ : إنَّكُمَا قُلْتُمَا لِي لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ ، فَلَسْت بِدَافِعَتِهَا إلَيْك ; فَثَقُلَ عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا وَجِيرَانِهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ لَبِثَتْ حَوْلًا آخَرَ ; فَجَاءَ الْآخَرُ . فَقَالَ : ادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ . فَقَالَتْ : إنَّ صَاحِبَك جَاءَنِي فَزَعَمَ أَنَّك قَدْ مِتّ ، فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ . فَاخْتَصَمَا إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَرَادَ أَنْ
[ ص: 30 ] يَقْضِيَ عَلَيْهَا . فَقَالَتْ : ادْفَعْنَا إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فَعَرَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ أَنَّهُمَا قَدْ مَكَرَا بِهَا ; فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ قُلْتُمَا : لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ ؟ قَالَا : بَلَى ; قَالَ : فَإِنَّ مَالَك عِنْدَهَا ، فَاذْهَبْ فَجِئْ بِصَاحِبِك حَتَّى تَدْفَعَهُ إلَيْكُمَا .