الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل الثالث :

عذاب القبر وقد ورد الشرع به قال الله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر وهو ممكن ; فيجب التصديق به ولا يمنع من التصديق به تفرق أجزاء الميت في بطون السباع وحواصل الطيور فإن المدرك لألم العذاب من الحيوان أجزاء مخصوصة يقدر الله تعالى على إعادة الإدراك إليها .

التالي السابق


(الأصل الثالث: عذاب القبر) ونعيمه (وقد ورد الشرع به) قرآنا وسنة، وأجمع عليه قبل ظهور البدع علماء الأمة (قال الله تعالى) في آل فرعون: وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) وقال في قوم نوح: مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ، والفاء للتعقيب من غير مهلة (واشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الاستعاذة من عذاب القبر) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما، ولهما أيضا من حديث عائشة رفعته: "إنكم تفتنون أو تعذبون في قبوركم". وعند مسلم: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه". ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه علينا فقال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر".

وأما استعاذة السلف الصالح منه فكثير على اختلاف طبقاتهم، من راجع الحلية ظفر بمجموع المقصود. وكذلك ورد فى نعيم القبر من الكتاب والسنة ما يصحح ثبوته. ومن نعيمه توسيعه، وفتح طاق فيه من الجنة، ووضع قنديل فيه، وامتلاؤه بالروح والريحان، وجعله روضة من رياض الجنة. وكل هذا من العذاب والنعيم محمول على الحقيقة عند العلماء .

(وهو ممكن; فيجب التصديق به) لأنه من مجوزات العقول، وشهد به السمع; فلزم الحكم بقوله .

ثم شرع في الرد على المنكرين، وهم ضرار بن عمرو، وبشر المريسي، وجماعة من المعتزلة، فقال: (ولا يمنع من التصديق به) والإيمان بثبوته (تفرق أجزاء الميت في بطون السباع) في البر، والسمك في البحر (وحواصل الطيور) وأقاصي التخوم، وقد جاز أن يحفظ الله تعالى من الأجزاء ما يتأتى به الإدراك، وإن كان في بطون السباع وقعور البحار، وغاية ما في الباب أن يكون بطن السبع ونحوه قبرا له (فإن المدرك لألم العذاب من الحيوان أجزاء مخصوصة يقدر الله تعالى على إعادة الإدراك إليها) ومن سلم اختصاص الرسول برؤية الملك دون القوم، وتعاقب الملائكة فينا، وآمن بقوله تعالى- في الشيطان-: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ، وجب عليه الإيمان بذلك، كيف والإنسان النائم يدرك أحوالا من السرور والغم من نفسه ونحن لا نشاهد ذلك منه، والبرزخ أول منزل من منازل الآخرة، وتغير العادات، والله أعلم .



(تنبيه)

وبعد اتفاق أهل الحق على إعادة قدر ما يدرك به الألم واللذة من الحياة تردد كثير من الأشاعرة والحنفية في إعادة الروح، فقالوا: لا تلازم بين الروح والحياة إلا في العادة. ومن الحنفية القائلين بالمعاد الجسماني من قال بأنه توضع فيه الروح. وأما من قال: إذا صار ترابا يكون روحه متصلا بترابه; فيتألم الروح والتراب جميعا فيحتمل أن يكون قائلا بتجرد الروح وجسمانيتها، ولا يخفى أن مراده بالتراب أجزاء الجسد الصغار، لا بجملتها، ومنهم من أوجب التصديق بذلك، ومنع من الاشتغال بالكيفية، بل التفويض إلى الخالق جل وعز .




الخدمات العلمية