الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان سؤال منكر ونكير وصورتهما وضغطة القبر وبقية القول في عذاب القبر .

قال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مات العبد أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما : منكر ، وللآخر : نكير ، فيقولان : ما كنت تقول في النبي ؟ فإن كان مؤمنا قال : هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيقولان إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا وينور له في قبره ثم يقال له : نم فيقول : دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقال له : نم فينام كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ، وإن كان منافقا قال : لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئا وكنت أقوله فيقولان إن : كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يقال للأرض : التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه فلا يزال معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .

التالي السابق


(بيان سؤال منكر ونكير وصورتهما وضغطة القبر وبقية القول في عذاب القبر)

اعلم أن فتنة القبر هي سؤال الملكين وقد تواترت الأحاديث بذلك عن أبي هريرة والبراء وتميم الداري وعمر بن [ ص: 413 ] الخطاب وأنس وبشير بن أكال وثوبان وجابر بن عبد الله وحذيفة وعبادة بن الصامت وابن عباس وابن عمرو وابن عمر وابن مسعود وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي رافع وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وأبي موسى وأسماء وعائشة رضي الله عنهم، أما أحاديث أبي هريرة فله طرق منها ما أشار إليه المصنف فقال (قال أبو هريرة) رضي الله عنه: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات العبد) وفي رواية إذا قبر الميت (أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: منكر، وللآخر: نكير، فيقولان له: ما كنت تقول في النبي؟) وفي رواية في هذا الرجل (فإن كان مؤمنا قال: هو عبد الله ورسوله) وفي رواية فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله (أشهد أن الله لا إله إلا الله) وفي رواية: عبده ورسوله (إنا كنا نعلم أنك لتقول ذلك) وفي رواية: لتقول هذا (ثم يفسح له في قبره سبعين ذراعا في سبعين ذراعا) وفي رواية، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين (وينور له في قبره) وفي رواية: ثم ينور له فيه (ثم يقال) وفي رواية فيقال (له: نم فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقال له: نم فينام كنومة العروس) وفي رواية فيقولان: نم كنومة العروس (الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال: لا أدري كنت أسمع الناس يقولون شيئا وكنت أقوله) وفي رواية قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري (فيقولان: إنا كنا لنعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض: التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف فيها أضلاعه) وفي رواية فتختلف أضلاعه (فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله) -عز وجل- (من مضجعه ذلك) .

قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه وابن حبان مع اختلاف. اهـ .

قلت: قال الترمذي: حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه إذا قبر الميت أو قال: أحدكم أتاه فذكره إلى آخره وقال: حسن غريب، ورواه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب القبور والآجري في كتاب الشريعة وابن أبي عاصم في كتاب السنة والبيهقي في عذاب القبر، وأما لفظ ابن حبان فسيأتي للمصنف قريبا وفيه مع سياق الترمذي اختلاف كثير وتباين في الإسنادين ولذلك قال: مع اختلاف، ومن طرق حديث أبي هريرة ما رواه الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه قال: شهدنا جنازة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من دفنها وانصرف الناس قال: إنه الآن يسمع خفق نعالكم أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس وأنيابهما مثل صياصي البقر وأصواتهما مثل الرعد فيجلسانه فيسألانه ما كان يعبد ومن كان نبيه فإن كان ممن يعبد الله قال: كنت أعبد الله ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم- جاءنا بالبينات فآمنا به واتبعناه فذلك قول الله تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فيقال له: على اليقين حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويوسع في حفرته وإن كان من أهل الشك قال: لا أدري سمعت الناس يقولون قولا فقلته فيقال له: على الشك حييت وعليه مت وعليه تبعث، ثم يفتح له باب إلى النار ويسلط عليه عقارب وتنانين لو نفخ أحدهم في الدنيا ما أنبتت شيئا تنهسه وتؤمر الأرض فتضم عليه حتى تختلف أضلاعه قال الطبراني بعد أن رواه عن عبيد الله بن محمد البرقي: حدثنا عمرو بن خالد الحراني، حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن جبير الحذاء أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدثان عن أبي هريرة فذكره ولم يروه عن أبي أمامة ومحمد إلا موسى تفرد به ابن لهيعة وقد رواه أبو نعيم في الحلية من هذا الوجه، ومن طرق حديث أبي هريرة ما رواه ابن ماجه عنه مرفوعا: إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله، ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلت، فيفرج له فرجة قبل الجنة فينظر [ ص: 414 ] إلى زهرتها وما فيها فيقال له: انظر إلى ما صرفه الله عنك، ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال: هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله تعالى .

ومن طرق حديث أبي هريرة ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر: كيف أنت إذا رأيت منكرا ونكيرا؟ قال: وما منكر ونكير؟ قال: فتانا القبر أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يطآن في أشعارهما ويحفران بأنيابهما معهما عصا من حديد لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها، ومن طرق حديث أبي هريرة ما رواه البزار وابن جرير في تهذيب الآثار عنه رفعه: أن المؤمن يجلس في قبره فيسأل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقول: من نبيك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: ماذا دينك؟ قال: ديني الإسلام فيفتح له باب في قبره فيقال: انظر إلى مجلسك، نم قرير العين فيبعثه الله يوم القيامة فكأنما كانت رقدة، وإذا كان عدو الله، ونزل به الموت، فإذا جلس في قبره يقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري فيقال: لا دريت فيفتح له باب من جهنم، ثم يضرب ضربة تسمع كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له: نم كما ينام المنهوس، قيل لأبي هريرة: ما المنهوس؟ قال: الذي تنهسه الدواب والحيات، ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه.

وأما حديث البراء وتميم الداري فقد تقدم ذكرهما آنفا .

وأما حديث عمر بن الخطاب فقال أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا مفضل يعني ابن صالح بن جميلة، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي شمر عن

عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت في أربع أذرع في ذراعين ورأيت منكرا ونكيرا؟ قلت: يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال: فتانا القبر يبحثان الأرض بأنيابهما ويطآن في أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يطيقوا رفعها وهي أيسر عليهما من عصاي هذه فامتحناك فإن تعاييت أو تلويت ضرباك بها ضربة تصير بها رمادا قلت: يا رسول الله وأنا على حالي هذه؟ قال: نعم قلت: إذا أكفيكهما،
وقد رواه كذلك الحاكم في التاريخ والبيهقي في عذاب القبر قال السيوطي في أمالي الدرة: هذا حديث ضعيف، ومفضل أخرج له الترمذي ليس بذلك الحافظ، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات فوجب ترك الاحتجاج به .




الخدمات العلمية