الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال أبو سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الميت يعرف من يغسله ومن يحمله ومن يدليه في قبره وقال صالح المري بلغني أن الأرواح تتلاقى عند الموت فتقول أرواح الموتى للروح التي تخرج إليهم : كيف كان مأواك وفي أي الجسدين كنت في طيب أو خبيث ؟ وقال عبيد بن عمير أهل القبور يترقبون الأخبار فإذا أتاهم الميت قالوا : ما فعل فلان فيقول : ألم يأتكم أوما قدم عليكم فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا وعن جعفر بن سعيد قال : إذا مات الرجل استقبله ولده كما يستقبل الغائب وقال مجاهد إن الرجل ليبشر بصلاح ولده في قبره وروى أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في الدنيا يقولون : انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه : ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة ، وهل تزوجت فلانة فإذا سألوه عن رجل مات قبله ، وقال : مات قبلي قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية .

التالي السابق


ولنرجع إلى شرح كلام المصنف .

(وقال أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الميت يعرف من يغسله ومن يحمله ومن يدليه في قبره) .

قال العراقي: رواه أحمد من رواية رجل عنه اسمه معاوية أو ابن معاوية نسيه عبد الملك بن حسن. اهـ .

قلت: وبخط الحافظ ابن حجر الذي في المسند عن عبد الملك عن سعيد بن عمرو بن سليم عن رجل من قومه يقال له: فلان بن معاوية أو معاوية بن فلان اهـ .

قلت: قال أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا عبد الملك بن حسن، حدثنا سعد بن عمرو بن سليم، قال: سمعت رجلا منا قال عبد الملك: نسيت اسمه ولكن اسمه معاوية أو ابن معاوية يحدث عن أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الميت يعرف من يغسله ويحمله ويدليه في قبره فقال ابن عمر وهو في المجلس: ممن سمعت هذا؟ قال من أبي سعيد فانطلق ابن عمر إلى أبي سعيد فقال: يا أبا سعيد ممن سمعت هذا؟ قال: من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه أيضا مسدد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الأوسط والمروزي في الجنائز وابن منده في كتاب الأحوال بزيادة: ومن يكفنه بعد قوله: ومن يحمله وفي لفظ: في حفرته بدل قبره، وفي أخرى بإسقاط ومن يحمله، ولفظ الطبراني أن الميت ليعلم من يغسله ويكفنه ومن يدليه في حفرته.

رواه عن محمد بن أبان عن إسماعيل بن عمرو البجلي عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد، وروى أبو الحسين بن البراء في كتاب الروضة بسند ضعيف من حديث ابن عباس: ما من ميت يموت إلا وهو يعرف غاسله ويناشد حامله إن كان بشر بروح وريحان وجنة نعيم أن يعجله وإن كان بشر بنزل من حميم وتصلية جحيم أن يحبسه، وروى ابن أبي الدنيا عن مجاهد قال: إذا مات الميت فملك قابض نفسه فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله وعند حمله حتى يوصله إلى قبره، وروى أبو نعيم في الحلية عن عمرو بن دينار قال: ما من ميت يموت إلا روحه في يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن وكيف يمشي به: ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك، وروى ابن أبي الدنيا عنه قال: ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعده وأنهم ليغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم، وروى أيضا عن بكر بن عبد الله المزني، قال: بلغني أنه ما من ميت يموت إلا، وروحه في يد ملك الموت فهم يغسلونه ويكفنونه وهو يرى ما يصنع أهله به فلو يقدر على الكلام لنهاهم عن الرنة والعويل، وروي أيضا عن سفيان قال: إن الميت ليعرف كل شيء حتى إنه ليناشد غاسله بالله إلا خففت علي غسلي، وروى أيضا عن ابن أبي نجيح قال: ما من ميت يموت إلا روحه في يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل وكيف يكفن وكيف يمشى به إلى قبره، ثم تعاد إليه روحه فيجلس في قبره (وقال) أبو بشر (صالح) ابن بشير بن وادع (المري) البصري القاص الزاهد، ضعيف مات سنة اثنتين وسبعين ومائة، وروى له الترمذي (بلغني أن الأرواح تتلاقى عند الموت فتقول أرواح الموتى للروح التي تخرج إليهم: كيف كان مأواك وفي أي الجسدين كنت في طيب أو خبيث؟) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت فقال: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إسحاق قال: سمعت صالحا المري يقول: بلغني فذكره إلا أنه قال: كيف كان ما وراءك؟ ورواه ابن منده من طريقه فقال: أخبرنا الحسن بن محمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن عمر، أخبرنا ابن أبي الدنيا فذكره (وقال) أبو عاصم (عبيد بن عمير) بن قتادة الليثي المكي قاص أهل مكة من أكبر التابعين مجمع على ثقته (أهل القبور يتوكفون الأخبار) .

قال الجوهري في الصحاح: التوكف التوقع يقال: ما زلت أتوكف حتى لقيته (فإذا أتاهم الميت قالوا: ما فعل فلان فيقول: ألم يأتكم أوما قدم عليكم فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير سبيلنا) .

رواه ابن أبي شيبة في المصنف [ ص: 394 ] وابن أبي الدنيا بلفظ: إن أهل القبور ليتوكفون للميت كما يتلقى الراكب يسألونه فإذا سألوه ما فعل فلان ممن مات، فيقول: ألم يأتكم؟ فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير طريقنا ذهب به إلى أمه الهاوية، هذا لفظ ابن أبي الدنيا، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس بن سعد عن عبيد بن عمير، قال: إن أهل القبور ليتلقون للميت كما يتلقى الراكب يسائلونه فإذا سألوه ما فعل فلان ممن قد مات فيقول: ألم يأتكم؟ فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية، وفي لفظ لابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن جابر عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس مولى خباب عن عبيد بن عمير، قال: إذا مات الميت تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر الراكب ما فعل فلان وفلان، وذكر الثعلبي مثل ذلك من حديث أبي هريرة، وفي آخره حتى إنهم ليسألونه عن هر البيت، وروى الحاكم عن مرسل الحسن: إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له: ما فعل فلان، فإذا قال: مات قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المرضعة، وروى ابن أبي الدنيا عن ثابت البناني، قال: بلغنا أن الميت إذا مات احتوشه أهله وأقاربه الذين قد تقدموه من الموتى، فلهو أفرح بهم وهم أفرح به من المسافر إذا قدم على أهله .

(وعن جعفر بن سعيد) كذا في النسخ كلها، وهو غلط من النساخ والصواب عن جعفر عن سعيد هو ابن المسيب والراوي عنه جعفر هو ابن سليمان الضبعي البصري الزاهد، روى له مسلم والأربعة (قال: إذا مات الرجل استقبله ولده كما يستقبل الغائب) هكذا رواه ابن أبي الدنيا فقال: حدثني محمد بن زيد الرفاعي، حدثنا يحيى بن أبان، حدثنا أشعث عن جعفر عن سعيد فذكره (وقال مجاهد) بن جبير المكي التابعي: (إن الرجل ليبشر بصلاح ولده في قبره) .

رواه ابن أبي الدنيا هكذا، ورواه أبو نعيم بلفظ: بصلاح ولده من بعده لتقر عينه، وقال السدي في قوله تعالى: ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الآية، يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشر به فيستبشر به كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا (وروى أبو أيوب) خالد بن يزيد بن كليب (الأنصاري) البدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله) كذا في النسخ والصواب من عباد الله (كما يتلقى البشير في الدنيا فيقولون: انظروا أخاكم) وفي لفظ: صاحبكم والإنظار الإمهال (حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه: ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة، وهل تزوجت فلانة فإذا سألوه عن رجل مات قبله، وقال: مات قبلي قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت، والطبراني في مسند الشاميين بإسناد ضعيف، ورواه ابن المبارك في الزهد موقوفا على أبي أيوب بإسناد جيد ورفعه ابن صاعد في زوائده على الزهد وفيه سلام الطويل ضعيف وهو عند النسائي وابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة بإسناد جيد. اهـ .

قلت: لفظ الطبراني فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول: إيهات قد مات ذلك قبلي فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية، ورواه هكذا ابن مردويه في التفسير، وزاد الطبراني وابن أبي الدنيا بعده وقال: إن أعمالكم ترد على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة فإن كان خيرا فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم ألهمه عملا صالحا ترضى به ويقربه إليك، هكذا رواه في الأوسط وقال: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان، حدثنا محمد بن سفيان الحضرمي، حدثنا مسلم بن علي عن زيد بن واقد وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم عن أبي أيوب مرفوعا، ثم قال: لم يروه عن مكحول إلا زيد وهشام، تفرد به مسلم، قال السيوطي: وهو ضعيف ولفظ ابن المبارك في الزهد: إذا قبضت نفس العبد تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشرى في الدنيا فيقبلون عليه ليسألوه فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب فيسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية وبئست المربية فيعرض عليهم أعمالهم فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا أسوأ قالوا: اللهم راجع عبدك قال ابن [ ص: 395 ] المبارك، ورواه سلام الطويل عن ثور فرفعه .

قلت: وقد روي نحو ذلك من حديث أنس وأبي هريرة، ومن مرسل الحسن وعبيد بن عمير الأشعث بن عبد الله الأعمى، أما حديث أنس فلفظه: إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة، فإن كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، بئست الأم وبئست المربية، حتى يقولوا: ماذا فعل فلان هل تزوج؟ ما فعلت فلانة هل تزوجت؟ فيقولون: دعوه يستريح فقد خرج من كرب الدنيا.

وأما حديث أبي هريرة فقد رواه البزار عن سعيد بن بحر عن الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عنه أحسبه رفعه قال: إن المومن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله يحب لقاءه وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانا قد مات قالوا، ما جيء به إلينا، قال السيوطي: هذا حديث صحيح رجاله ثقات، وروى الثعلبي في تفسيره من حديث أبي هريرة: إذا مات الميت تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر الراكب ما فعل فلان وفلان حتى إنهم ليسألونه عن هر البيت، وأما مرسل الحسن فقد رواه آدم بن أبي إياس في تفسيره عن المبارك بن فضالة عنه رفعه: إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين، فيقولون له: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ وإذا قال: مات قبلي قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية بئست الأم الهاوية وبئست المربية، وقد رواه الحاكم من طريقه، وروى سعيد بن منصور في سننه وابن أبي الدنيا عن الحسن قال: إذا احتضر المؤمن حضر خمسمائة ملك فيقبضون روحه فيعرجون به إلى السماء الدنيا فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية فيريدون أن يستخبروه فتقول لهم الملائكة: ارفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه حتى يستخبر الرجل عن أخيه وعن صاحبه فيقول: هو كما عهدت حتى يستخبروه عن إنسان قد مات قبله فيقول: أوما أتى عليكم؟ فيقولون: أوقد هلك؟ فيقول: إي والله، فيقولون: أراه قد ذهب به إلى أمه الهاوية بئست الأم الهاوية وبئست المربية، وأما مرسل الأشعث فأخرجه عبد الرزاق وابن جرير قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه، وروح المؤمنين فتقول: روحوا أخاكم فإنه كان في غم الدنيا، ويسألونه: ما فعل فلان؟ فيخبرهم فيقول: صالح حتى يسألوه: ما فعل فلان؟ فيقول: مات أما جاءكم؟ فيقولون: لا ذهب به إلى أمه الهاوية، وروى هناد في كتاب الزهد من طريق أبي إسحاق عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، قال: حدثنا بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الشهداء ثلاثة فأدنى الشهداء عند الله منزلة رجل خرج منبوذا بنفسه وماله، فذكر الحديث، وفيه: فإذا انتهى إلى إخوانه سألوه كما تسألون الراكب يقدم عليكم من بلادكم فيقولون: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فيقول: أفلس فلان، فيقولون: ما فعل فلان؟ ما له؟ فوالله إن كان لكيسا جموعا تاجرا إنا لا نعد المفلس ما تعدون إنما المفلس من الأعمال، فما فعل فلان وامرأته فلانة؟ فيقول: طلقها فيقولون: ما الذي جرى بينهما حتى طلقها فوالله إن كان بها لمعجبا؟ فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: مات قبلي بزمان، فيقولون: هلك والله ما سمعنا له بذكر، إن لله طريقين أحدهما علينا والآخر مخالف به عنا، فإذا أراد الله بعبد خيرا مر به علينا فعرفنا متى مات، وإذا أراد الله بعبد شرا خولف به عنا فلم نسمع له بذكر الحديث .




الخدمات العلمية