الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
قالت عائشة رضي الله عنها فقبض صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري ، وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت ، فدخل علي أخي عبد الرحمن وبيده سواك فجعل ينظر إليه ، فعرفت أنه يعجبه ذلك ، فقلت له : آخذه لك ؟ فأومأ برأسه ، أي : نعم ، فناولته إياه فأدخله في فيه فاشتد عليه ، فقلت ألينه : لك فأومأ برأسه أي : نعم فلينته ، وكان بين يديه ركوة ماء فجعل يدخل فيها يده ويقول : لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات ، ثم نصب يده يقول : الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى فقلت إذن والله لا يختارنا وروى سعيد بن عبد الله عن أبيه قال لما رأت الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد ، فدخل العباس رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ، ثم دخل عليه علي رضي الله عنه فأعلمه بمثله فمد يده وقال : ها ، فتناولوه ، فقال : ما تقولون ؟ قالوا نقول : نخشى أن تموت ، وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئا على علي والفضل ، والعباس أمامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر ، وثاب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إنه بلغني أنكم تخافون علي الموت كأنه استنكار منكم للموت ، وما تنكرون من موت نبيكم ، ألم أنع إليكم وتنعى إليكم أنفسكم ؟ هل خلد نبي قبلي فيمن بعث فأخلد فيكم ؟ ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون به ، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا ، وأوصي المهاجرين فيما بينهم ، فإن الله عز وجل قال : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلى آخرها ، وإن الأمور تجري بإذن الله ، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله ، فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد ، ومن غالب الله غلبه ، ومن خادع الله خدعه ، فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وأوصيكم بالأنصار خيرا ، فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم ، أن تحسنوا إليهم ، ألم يشاطروكم الثمار ؟ ألم يوسعوا عليكم في الديار ؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة ؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ، ألا ولا تستأثروا عليهم ، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي ، ألا وإن موعدكم الحوض ، حوضي أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن ، يصب فيه ميزاب الكوثر ماؤه أشد بياضا من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك ، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله ، ألا فمن أحب أن يرده علي غدا فليكفف لسانه ويده ، إلا مما ينبغي ، فقال العباس يا نبي الله ، أوص بقريش ، فقال : إنما أوصي بهذا الأمر قريشا والناس تبع لقريش ، برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم ، فاستوصوا آل قريش بالناس خيرا ، يا أيها الناس ، إن الذنوب تغير النعم وتبدل القسم ، فإذا بر الناس برهم أئمتهم ، وإذا فجر الناس عقولهم ، قال الله تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه : سل يا أبا بكر ، فقال : يا رسول الله ، دنا الأجل ، فقال : قد دنا الأجل وتدلى فقال : ليهنك يا نبي الله ما عند الله ، فليت شعري عن منقلبنا ، فقال : إلى الله وإلى سدرة المنتهى ، ثم إلى جنة المأوى ، والفردوس الأعلى ، والكأس الأوفى ، والرفيق الأعلى ، والحظ والعيش المهنا ، فقال : يا نبي الله من يلي غسلك ؟ قال : رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى ، قال : ففيم نكفنك ؟ فقال : في ثيابي هذه وفي حلة يمانية وفي بياض مصر ، فقال : كيف الصلاة عليك منا ؟ وبكينا وبكى ، ثم قال : مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا : إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ، ثم اخرجوا عني ساعة ، فإن أول من يصلي علي الله عز وجل هو الذي يصلي عليكم وملائكته ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي ، فأول من يدخل علي من خلق الله ويصلي علي جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة ، ثم الملائكة بأجمعها ، ثم أنتم فادخلوا علي أفواجا ، فصلوا علي أفواجا زمرة زمرة وسلموا تسليما ، ولا تؤذوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة ، وليبدأ منكم الإمام وأهل البيت الأدنى فالأدنى ، ثم زمر النساء ، ثم زمر الصبيان ، قال : فمن يدخلك القبر ؟ قال : زمر من أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة لا ترونهم وهم يرونكم قوموا فأدوا إلى من بعدي .

التالي السابق


(قالت عائشة) رضي الله عنها (فقبض -صلى الله عليه وسلم- في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت، فدخل علي أخي عبد الرحمن وبيده سواك فجعل ينظر إليه، فعرفت أنه يعجبه ذلك، فقلت له: آخذه لك؟ فأومأ برأسه، أي: نعم، فناولته إياه فأدخله في فيه فاشتد عليه، فقلت: ألينه لك فأومأ برأسه أي: نعم فلينته، وكان بين يديه ركوة ماء فجعل يدخل فيها يده ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، ثم نصب يده يقول: الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى) .

قال العراقي: متفق عليه، قلت: في رواية للبخاري: إن من نعم الله علي أن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، ودخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك، فقلت:آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، وفي رواية له: مر عبد الرحمن وبيده جريدة رطبة فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظننت أن له حاجة فأخذتها فوضعت رأسها ونفضتها ودفعتها إليه، فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، وفي رواية له: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستن به فما رأيته استن استنانا قط أحسن منه. وفي حديث أخرجه العقيلي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لها في مرضه: ائتيني بسواك رطب فامضغيه، ثم ائتني به أمضغه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهون علي عند الموت، وروى البخاري أيضا من حديثها أنه -صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه علبة أو ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، وقد تقدم ذلك .

وقال صاحب كتاب المتفجعين: حدثنا سليمان بن سيف، حدثنا سعيد بن بزيع عن ابن إسحاق، قال: قال الزهري: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما أسمعه يقول: إن الله لم يقبض نبيا حتى يخير، فلما حضر، صلى الله عليه وسلم، كان آخر كلمة سمعتها منه بل الرفيق الأعلى من الجنة، قلت: إذا لا يختارنا، عرفت أنه الذي كان يقول لنا إن الأنبياء لا تقبض حتى تخير.

قال: وحدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، ومحمد بن علي بن ميمون قالا: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة: أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى. وروى أحمد من حديث عائشة، كان، صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من نبي تقبض نفسه، ثم يرى الثواب، ثم ترد إليه نفسه فيخير بين أن ترد إليه أو يلحق، فكنت قد حفظت، فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حتى مال عنقه، فقلت: قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حتى ارتفع ونظر، فقلت: إذا والله لا يختارنا، فقال: مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وروى البخاري من حديثها أنه -صلى الله عليه وسلم- لما حضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى، وفي لفظ: اللهم أسألك، أو أسأل الله الرفيق الأعلى، مع [ ص: 289 ] الأسعد جبريل وميكائيل وإسرافيل، رواه النسائي من حديث أبي موسى وصححه ابن حبان، قال ابن حجر في شرح الشمائل: ظاهره أن الرفيق مكان يوافق فيه المذكورين، وفي النهاية: هو جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين، وقيل: هو الله تعالى; لأنه تعالى رفيق بعباده، وقيل: حظيرة القدس، وختم كلامه بهذه الكلمة لتضمنها التوحيد والذكر بالقلب، وإشارة إلى أن من منع لسانه مانع من الذكر وقلبه مشغول به لم يضره ذلك، أشار إليه السهيلي في الروض الأنف .

وقال صاحب كتاب المتفجعين: حدثنا علي بن عثمان الفضيلي، حدثنا أبو علي المخارق بن ميسرة، حدثنا عثمان، حدثنا حسين بن وافد، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على فرس أبلق عليه قطيفة من إستبرق، فقال: عليك السلام، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله من رسول ونبي خيرا، فقد بلغت الرسالة، ونصحت للأمة، وجاهدت في السبيل، وقضيت الذي عليك، فهذه مفاتيح الدنيا قد أتيتك بها لك، بما صنعت، ولك الجنة بعد الموت أو اللحوق بالله -عز وجل- قال: لا، بل اللحوق بالله.

(وروى سعيد بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن ضرار بن الأزور (قال لما رأت الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد، فدخل العباس -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل) بن العباس (فأعلمه بمثل ذلك، ثم دخل عليه علي -رضي الله عنه- فأعلمه بمثله فمد يده وقال: ها، فتناولوه، فقال: ما يقولون؟ قالوا: يقولون نخشى أن يموت، وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج متوكئا على علي والفضل، والعباس أمامه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر، وثاب الناس إليه) أي: اجتمعوا (فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيها الناس، إنه بلغني أنكم تخافون الموت كأنه استنكار منكم للموت، وما تنكرون من موت نبيكم، ألم أنع وتنع إليكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي فيمن بعث فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا، وأوصي المهاجرين فيما بينهم، فإن الله -عز وجل- قال: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلى آخرها، وإن الأمور تجري بإذن الله، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله -عز وجل- لا يعجل لعجلة أحد، ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه، فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم وأوصيكم بالأنصار خيرا، فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض، حوضي أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن، يصب فيه ميزاب الكوثر ماء أشد بياضا من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد، من شرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، بطحاؤه من مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كله، ألا فمن أحب أن يرده علي غدا فليكف لسانه ويده، إلا مما ينبغي، فقال العباس) -رضي الله عنه- (يا نبي الله، أوص بقريش، فقال: إنما أوصي بهذا الأمر قريشا [ ص: 290 ] والناس تبع لقريش، برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم، فاستوصوا آل قريش بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم وتبدل القسم، فإذا بر الناس برهم أئمتهم، وإذا فجر الناس عقوهم، قال الله تعالى: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) قال العراقي: هو مرسل ضعيف وفيه نكارة ولم أجد له أصلا، وأبو عبد الله ابن ضرار بن الأزور تابعي، روى عن ابن مسعود، قال أبو حاتم فيه وفي ابنه سعيد: ليس بالقوي. اهـ .

قلت: أسنده سيف بن عمر في كتاب الفتوح هكذا، وأورده الفاكهاني في الفجر المنير من طريقه، قال الذهبي: سعيد بن عبد الله بن ضرار، عن أنس. قال أبو حاتم: ليس بقوي، وعبد الله بن ضرار عن أبيه وغيره، قال يحيى: لا يكتب حديثه .

وروى البخاري من حديث أنس: مر أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقالا: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- منا فدخل أحدهما على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد عصب على رأسه حاشية برد، فصعد المنبر ولم يصعد بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، ورواه عن أحمد وأبو عوانة من حديث جابر: ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه مثل ما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم. وروى ابن أبي شيبة وابن جرير من حديث أبي هريرة: الناس تبع لقريش في هذا الأمر، فخيارهم تبع لخيارهم وشرارهم تبع لشرارهم.

وروى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف: أوصيكم بالمهاجرين السابقين الأولين وبأبنائهم، إلا تفعلوا لا يقبل الله منكم صرفا ولا عدلا،

(وروى ابن مسعود) -رضي الله عنه- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر -رضي الله عنه-: سل يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله، دنا الأجل، فقال: قد دنا الأجل وتدلى) وهو عبارة عن غاية القرب (فقال: ليهنك يا نبي الله ما عند الله، فليت شعري عن منقلبنا، فقال: إلى الله وإلى سدرة المنتهى، ثم إلى جنة المأوى، والفردوس الأعلى، والكأس الأوفى، والرفيق الأعلى، والحظ والعيش الهنا، فقال: يا نبي الله من يلي غسلك؟ قال; رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى، قال: ففيم نكفنك؟ فقال: في ثيابي هذه وفي حلة يمانية وفي بياض مصر، فقال: كيف الصلاة عليك منا؟ وبكينا وبكى، ثم قال: مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي الله -عز وجل- هو الذي يصلي عليكم وملائكته، ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي، فأول من يدخل علي من خلق الله ويصلي علي جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم فادخلوا علي أفواجا، فصلوا علي أفواجا زمرة زمرة وسلموا تسليما، ولا تؤذوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة، وليبدأ منكم الإمام وأهل البيت الأدنى فالأدنى، ثم زمر النساء، ثم زمر الصبيان، قال: فمن يدخلك القبر؟ قال: زمر من أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة لا ترونهم وهو يرونكم قوموا فأدوا إلى من بعدي) .

قال العراقي: رواه ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر الواقدي بإسناد ضعيف إلى ابن عون عن ابن مسعود، بلفظ: نعى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق والمنقلب إلى الله وإلى جنة المأوى، قلنا: يا رسول الله، من يغسلك؟ قال: رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى، قلنا: يا رسول الله، فيم نكفنك؟ قال: في ثيابي هذه، وإن شئتم في ثياب مصر، وحلة يمنية، قلنا: يا رسول الله، من يصلي عليك؟ قال: إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة فإن [ ص: 291 ] أول من يصلي علي جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت ومعه جنود من الملائكة، ثم ادخلوا علي أفواجا فصلوا وسلموا تسليما، وليبدأ بالصلاة علي رجال من أهل بيتي، ثم نساؤهم، ثم أنتم، واقرءوا السلام على من غاب من أصحابي، ومن اتبعني على ديني من يومي هذا إلى يوم القيامة، قلنا: يا رسول الله، من يدخلك قبرك؟ قال: أهلي مع ملائكة ربي.

ورواه الطبراني أيضا في الكبير من حديث وهب بن منبه عن جابر وابن عباس في حديث طويل سيأتي ذكره بعد ذلك، وفيه فقال علي: يا رسول الله إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ وفيما نكفنك؟ ومن يصلي عليك؟ ومن يدخلك القبر؟ فقال: يا علي، أما الغسل فاغسلني أنت وابن عباس يصب عليك الماء وجبريل ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جدد وجبريل يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإن أول من يصلي علي الرب -عز وجل- من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا لا يتقدم علي أحد. الحديث، ورواه أيضا أبو يعلى في مسنده مختصرا وسيأتي ما يتعلق بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في آخر هذا الباب .




الخدمات العلمية