الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الأصل التاسع .

أن إرادته قديمة وهي في القدم تعلقت بإحداث الحوادث في أوقاتها اللائقة بها ، على وفق سبق العلم الأزلي إذ لو كانت حادثة لصار محل الحوادث ولو حدثت في غير ذاته لم يكن هو مريدا لها كما لا تكون أنت متحركا بحركة ليست في ذاتك وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها إلى إرادة أخرى وكذلك الإرادة الأخرى تفتقر إلى أخرى ويتسلسل الأمر إلى غير نهاية ، ولو جاز أن يحدث إرادة بغير إرادة لجاز أن يحدث العالم بغير إرادة .

التالي السابق


(الأصل التاسع أن إرادته) جل وعز لجميع الكائنات (قديمة) قائمة بالذات، (وهي) أي: الإرادة (في القدم) أي: أزلا (تعلقت بإحداث الحوادث في أوقاتها اللائقة بها، على وفق سبق العلم الأزلي) ، بمعنى أن كل كائن في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية بإرادته، وأن كل ما تتعلق به إرادته يكون، لا محالة، وهو معنى: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن .

ثم إن التعلق هو كون الصفة بحيث يكون لها منسوب يرتبط بها ارتباط المتضايفين، وهو على قسمين: صلاحي، إن لم يكن المنسوب لها موجودا في الخارج، وتنجيزي، إن كان موجودا .

وهل التعلق صفة اعتبارية، لا وجود له في الخارج، إذ هو يرجع إلى معقول الإضافة، واختاره المتأخرون، أو وجودية; إذ التعلق مرجعه إلى الصفات النفسية للمعاني، واختاره ابن الحاجب تبعا لغيره؟ (إذ لو كانت) الإرادة (حادثة) لكان بضدها موصوفا، وضدها نقص، والنقص لا يجوز في وصفه تعالى، وأيضا لو كانت حادثة (لصار) الباري تعالى (محلا للحوادث) وقابلا لها، ولو كان محلا للحوادث لما خلا عنها، وما لا يخلو عن الحادث حادث، لما مر، ومن هنا بطل قول الكرامية: إن إرادته تعالى حادثة قائمة بذاته، وهو ظاهر، والعلم متعلق أزلا بذلك التخصيص الذي أوجبته الإرادة، أي: تخصيص المقدور بخصوص وقت إيجاده .

كما أن الإرادة في الأزل متعلقة بتخصيص الحوادث بأوقاتها، ولا يتغير العلم، ولا الإرادة بوجود المعلوم والمراد، ومن هنا بطل قول جهم بن صفوان، وهشام بن الحكم، من أن علمه تعالى بأن هذا قد وجد، وذاك قد عدم حادث .

دليل آخر على قدم الإرادة: أن يقال: (لو حدثت في غير ذاته) تعالى (لم يكن) هو تعالى (مريدا بها) ، بل الذي قامت به، وهو باطل، (كما لا تكون أنت متحركا بحركة ليست في ذاتك) ، وهو ظاهر، (وكيفما قدرت فيفتقر حدوثها) أي: تلك الإرادة (إلى إرادة أخرى) ثانية، (وكذلك الإرادة الأخرى تفتقر إلى) إرادة (أخرى) ثالثة، (ويتسلسل الأمر) أي: هذا الافتقار (إلى غير نهاية، ولو جاز أن تحدث إرادة) أي: بعض الإرادات (بغير إرادة) تخصصها بخصوص وقت إيجادها (لجاز أن يحدث العالم بغير إرادة) ; فلا يمكن حدوث بعضها بلا إرادة، مع أن المقتضي لثبوت صفة الإرادة ذلك الخصوص، وهو ملازم للحدوث، لا ينفك عنه; لما مر من أنه لا بد لكل حادث من مخصص له بخصوص وقت إيجاده، والفرض أن تلك الإرادة حادثة - بزعم الخصم- فلا بد لها من إرادة تخصصها; فيلزم التسلسل المحال، فتأمل .




الخدمات العلمية