الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها : أن يكون في حبه خائفا متضائلا تحت الهيبة والتعظيم وقد يظن أن الخوف يضاد الحب وليس كذلك بل إدراك العظمة يوجب الهيبة ، كما أن إدراك الجمال يوجب الحب .

التالي السابق


(ومنها) ، أي: من علامات المحبة (أن يكون في حبه خائفا) وجلا (متضائلا) ، أي: متصاغرا (تحت الهيبة والتعظيم) فشرف العباد كلهم وقربهم من ربهم على قدر تعظيمهم له ومعرفتهم بحقه؛ ليتذللوا ويتصاغروا عبودية له وإجلالا لعظمته ومهابة وصغارا لكبريائه (وقد يظن أن الخوف يضاد الحب وليس كذلك) وقال صاحب القوت بعد أن فسر أبيات رابعة قدس الله سرها التي ذكرت في المحبة بلزوم خوف [ ص: 628 ] التقصير ووجوب الحياء من قلة الوفاء والخوف لما تعرض به من حبه ما نصه: ومن لم يكن من المحبين كذلك حتى لا يدرك بمحبته ولا يقتضي الجزاء عليها من محبوبه ولا يوجب على حبيبه شيئا إلا لأجل محبته، فهو مخدوع بالمحبة ومحجوب بالنظر إليها، وإنما ذلك مقام الرجاء الذي ضده الخوف ليس من المحبة في شيء، ولا تصح المحبة إلا بخوف المقت في المحبة، وقال بعض العارفين: ما عرفه من ظن أنه عرفه ولا أحبه من توهم أنه أحبه (بل إدراك العظمة يوجب الهيبة، كما أن إدراك الجمال يوجب الحب) وتحقيق ذلك يفهم من معنى التعظيم فلنذكره .

اعلم أن التعظيم المعهود هو ما فات البصر إدراكه، والرب تعالى منزه عن إدراك حس تعلو ذاته عن الأجسام والأعراض ومشابهة المحدثات، والتعظيم بطريق الاستعارة والتجوز ما فات البصائر إدراكه، إما لمانع في البصيرة أو في الذات المبصرة، والرب تعالى قد فات الأبصار إدراكه على ما هو عليه لا لمانع في البصيرة أو في الذات المبصرة، والرب تعالى قد فات الأبصار والبصائر إدراكه على ما هو عليه لا لمانع وضعه الله؛ إذ يمكن رفع ذلك المانع ولكن لصفته التي هي حقه وهي قيوميته بنفسه واستغناؤه عن الموجب والموجد والكيف والنظير، لا لعلم سبق ولا لحكم قدر، بل لأجل أن عظمته إزاره وكبرياءه رداؤه، ولما كان عظيما في ذاته وكان ناظرا لذاته بعين الكبرياء وكان محتجبا بهذين الوصفين عن عباده وقع الإخبار عنهما بالإزار والرداء الحاجبين للابس أن تظهر ذاته؛ إذ بصفاته احتجبت ذاته عن أن تدرك لا أن بينه وبين العقول العالمة به حجبا، إنما الحجب المخلوقة ما تصنعه من الأكنة في قلوب الجهلة، وأما العلماء فما يحتجب عنهم إلا بأنوار صفاته؛ ولهذا الكلام بقية تقدمت الإشارة إليها في مواضع من هذا الكتاب .




الخدمات العلمية