وكل العالم تصنيف الله تعالى ؛ فمن نظر إليه من حيث إنه فعل الله ، وعرفه من حيث إنه فعل الله ، وأحبه من حيث إنه فعل الله ؛ لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا له ، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله ، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه ، بل من حيث إنه عبد الله ؛ ؛ فهذا الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد وإنه فني عن نفسه ، وإليه الإشارة بقول من قال : كنا بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام أو باشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يعنيهم .
فهذا هو السبب في وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبا عند فقد العقل ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلا قليلا وهو مستغرق الهم بشهواته : وقد أنس بمدركاته ومحسوساته وألفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا ، أو نباتا غريبا ، أو فعلا من أفعال الله تعالى خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا ، فقال : سبحان الله ! وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة ، وكلها شواهد قاطعة لا يحس بشهادتها لطول الأنس بها ولو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت غشاوة عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة ؛ لخيف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة العجائب لخالقها . قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى ،
فهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات هو الذي سد على الخلق سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة فالناس في طلبهم معرفة الله كالمدهوش الذي يضرب به المثل إذا كان راكبا لحماره ، وهو يطلب حماره والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاصة .
فهذا سر هذا الأمر فليحقق ؛ ولذلك قيل .
فقد
ظهرت فما تخفى على أحد إلا على أكمه لا يعرف القمرا لكن بطنت بما أظهرت محتجبا
فكيف يعرف من بالعرف قد سترا