والجراب الذي فيه زاده ، وإنما ذلك في المأكول ، وفي كل مال زائد على قدر الضرورة ؛ لأن سنة الله جارية بوصول الخير إلى الفقراء المتوكلين في زوايا المساجد وما جرت السنة بتفرقة الكيزان والأمتعة في كل يوم ، ولا في كل أسبوع ، والخروج عن سنة الله : عز وجل : ليس شرطا في التوكل ، ولذلك كان الخواص يأخذ في السفر الحبل والركوة والمقراض والإبرة دون الزاد لكن سنة الله تعالى جارية بالفرق بين الأمرين . وليس من شرط التوكل إخراج الكوز الذي يشرب منه ،
فإن قلت : فكيف يتصور أن لا يحزن إذا أخذ متاعه الذي هو محتاج إليه ، ولا يتأسف عليه ، فإن كان لا يشتهيه فلم أمسكه ، وأغلق الباب عليه ، وإن كان أمسكه ؛ لأنه يشتهيه لحاجته إليه فكيف لا يتأذى قلبه ولا يحزن ، وقد حيل بينه وبين ما يشتهيه فأقول : إنما كان يحفظه ليستعين به على دينه ؛ إذ كان يظن أن الخيرة له في أن يكون له ذلك المتاع ، ولولا أن الخيرة له فيه لما رزقه الله تعالى ، ولما أعطاه إياه ، فاستدل على ذلك بتيسير الله : عز وجل : وحسن الظن بالله تعالى مع ظنه أن ذلك معين له على أسباب دينه ، ولم يكن ذلك عنده مقطوعا به ؛ إذ يحتمل أن تكون خيرته في أن يبتلى بفقده ذلك حتى ينصب في تحصيل غرضه ، ويكون ثوابه في النصب والتعب أكثر ، فلما أخذه الله تعالى منه بتسليط اللص تغير ظنه ؛ لأنه في جميع الأحوال واثق بالله حسن الظن به ، فيقول : لولا أن الله : عز وجل : علم أن الخيرة كانت لي في وجودها إلى الآن والخيرة لي الآن في عدمها لما أخذها مني ، فبمثل هذا الظن يتصور أن يندفع عنه الحزن ؛ إذ به يخرج عن أن يكون فرحه بأسباب من حيث إنها أسباب ، بل من حيث إنه يسرها مسبب الأسباب عناية وتلطفا وهو كالمريض بين يدي الطبيب الشفيق يرضى بما يفعله فإن قدم إليه الغذاء فرح ، وقال : لولا أنه يعرف أن الغذاء ينفعني ، وقد قويت على احتماله لما قربه إلي ، وإن أخر عنه الغذاء بعد ذلك أيضا فرح ، وقال : لولا أن الغذاء يضرني ويسوقني إلى الموت لما حال بيني وبينه ، وكل من لا يعتقد لطف الله تعالى ما يعتقده المريض في الوالد المشفق الحاذق لعلم الطب ، فلا يصح منه التوكل أصلا ، ومن عرف الله تعالى ، وعرف أفعاله ، وعرف سنته في إصلاح عباده لم يكن فرحه بالأسباب فإنه لا يدري أي الأسباب خير له كما قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنيا أو فقيرا فإني لا أدري أيهما خير لي ، فكذلك ينبغي أن لا يبالي المتوكل يسرق متاعه ، أو لا يسرق فإنه لا يدري أيهما خير له في الدنيا أو في الآخرة فكم من متاع في الدنيا يكون سبب هلاك الإنسان وكم من غني يبتلى بواقعة لأجل غناه ، يقول ياليتنى : كنت فقيرا .