الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الدرجة الثانية الأسباب التي ليست متيقنة ولكن الغالب أن المسببات لا تحصل دونها ، وكان احتمال حصولها دونها بعيدا ، كالذي يفارق الأمصار والقوافل ، ويسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادرا ، ويكون سفره من غير استصحاب زاد فهذا ليس شرطا في التوكل ، بل استصحاب الزاد في البوادي سنة الأولين ولا يزول التوكل به بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله تعالى لا على الزاد كما سبق ، ولكن فعل ذلك جائز وهو : من أعلى مقامات التوكل ولذلك ، كان يفعله الخواص .

فإن قلت فهذا : سعي في الهلاك ، وإلقاء النفس في التهلكة : فاعلم أن ذلك يخرج عن كونه حراما بشرطين : أحدهما أن يكون الرجل قد راض نفسه وجاهدها وسواها على الصبر عن الطعام أسبوعا وما يقاربه ، بحيث يصبر عنه بلا ضيق قلب وتشوش ، خاطر ، وتعذر في ذكر الله تعالى .

التالي السابق


*الدرجة الثانية الذي حصول السبب بعده مظنون، وهي (الأسباب التي ليست متيقنة لكن الغالب أن المسببات لا تحصل دونها، وكان احتمال حصولها دونها بعيدا، كالذي يفارق الأمصار والقوافل، ويسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادرا، ويكون سفرة من غير استصحاب زاد فهذا ليس شرطا في) صحة (التوكل، بل استصحاب الزاد في البوادي سنة الأولين) من السلف الصالحين (ولا يزول التوكل بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله تعالى لا على الزاد كما سبق، ولكن فعل ذلك جائز) ، ومن هذه الدرجة الكسب، والمتاجر، والسفر في البحار رجاء السلامة، والسفر في [ ص: 475 ] القوافل بغير زاد رجاء تسخير الناس له، والجلوس في المساجد تفرغا للعبادة، وغلق الأبواب على الأمتعة وشرب الأدوية المجربة للصحة في الغالب، فالتلبس بهذا كله مباح في الشرع غير واجب تركه ولا فعله، وأصل التوكل واجب، فيبقى الدخول في الأسباب المظنونة على أصل الإباحة، والمباح ينقلب فضيلة بالمقاصد، (وهو) أي: ترك استصحاب الزاد في الأسفار (من أعلى مقامات التوكل، وكذلك كان يفعله) إبراهيم بن أحمد (الخواص) رحمه الله تعالى، وكان من كبار المتوكلين، كما صرح به صاحب القوت (فإن قلت: هذا سعي في الهلاك، وإلقاء النفس في التهلكة) أي: الدخول في البرية بغير خفير ولا قافلة ولا زاد سبب للهلاك، وقد قال الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فكيف يصح توكله، وكيف يكون ذلك مباحا؟ (فاعلم أن ذلك يخرج عن كونه حراما بشرطين: أحدهما أن يكون الرجل قد راض نفسه) في الحضر (وجاهدها وسواها) وعودها (على الصبر عن الطعام أسبوعا وما يقاربه، بحيث يصبر عنه بلا ضيق قلب، وتشويش خاطر، وتعذر في ذكر الله تعالى) بأن لا تسقط قوته في القيام في صلاته .




الخدمات العلمية