فإن قلت : فكيف الجمع بين التوحيد والشرع ومعنى التوحيد أن لا فاعل إلا الله تعالى ومعنى الشرع إثبات الأفعال للعباد ، فأقول : نعم ذلك غير مفهوم إذا كان للفاعل معنى واحد وإن كان له معنيان ، ويكون الاسم مجملا مرددا بينهما لم يتناقض كما يقال : قتل الأمير فلانا ، ويقال : قتله الجلاد ولكن الأمير قاتل بمعنى والجلاد قاتل بمعنى آخر فكذلك العبد فاعل بمعنى والله عز وجل فاعل بمعنى آخر فمعنى كون الله تعالى فاعلا أنه المخترع الموجد ومعنى كون العبد فاعلا أنه المحل الذي خلق فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة بعد أن خلق فيه العلم فارتبطت القدرة بالإرادة والحركة بالقدرة ارتباط الشرط بالمشروط ، وارتبط بقدرة الله ارتباط المعلول بالعلة وارتباط المخترع بالمخترع ، وكل ما له ارتباط بقدرة فإن محل القدرة يسمى فاعلا له كيفما كان الارتباط كما يسمى الجلاد قاتلا والأمير قاتلا ؛ لأن القتل ارتبط بقدرتهما ولكن على وجهين مختلفين فلذلك ، سمي فعلا لهما فكذلك ارتباط المقدورات بالقدرتين . ولأجل توافق ذلك وتطابقه نسب الله تعالى الأفعال في القرآن مرة إلى الملائكة ومرة إلى العباد ونسبها بعينها مرة أخرى إلى نفسه فقال الله تعالى في الموت : فإن كان العبد فاعلا فكيف يكون الله تعالى فاعلا ، وإن كان الله تعالى فاعلا فكيف يكون العبد فاعلا ، ومفعول بين فاعلين غير مفهوم قل يتوفاكم ملك الموت ثم قال : عز وجل الله يتوفى الأنفس حين موتها وقال تعالى أفرأيتم ما تحرثون أضاف إلينا ثم قال تعالى : أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقال : عز وجل فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ثم قال تعالى فنفخنا فيها من روحنا وكان النافخ جبريل عليه السلام وكما قال تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قيل في التفسير معناه إذا قرأه عليك جبريل وقال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى نفسه ، والتعذيب هو عين القتل بل صرح وقال تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقال تعالى . وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وهو جمع بين النفي والإثبات ظاهرا ولكن معناه وما رميت بالمعنى الذي يكون الرب به راميا إذ رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا إذ هما معنيان مختلفان .
وقال الله تعالى : الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ثم قال : الرحمن علم القرآن وقال: علمه البيان وقال: ثم إن علينا بيانه وقال: أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في وصف ملك الأرحام إنه يدخل الرحم فيأخذ النطفة في يده ثم يصورها جسدا فيقول : يا رب أذكر أم أنثى أسوي أم معوج فيقول الله تعالى ما شاء ويخلق الملك وفي لفظ آخر ويصور : الملك ثم ينفخ فيه الروح بالسعادة أو بالشقاوة .
وقد قال بعض السلف : إن الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجساد وأنه يتنفس بوصفه فيكون كل نفس من أنفاسه روحا يلج في جسم ، ولذلك سمي روحا وما ذكره في مثل هذا الملك وصفته فهو حق شاهده أرباب القلوب ببصائرهم فأما كون الروح عبارة عنه فلا يمكن أن يعلم إلا بالنقل والحكم به دون النقل تخمين مجرد وكذلك ذكر الله تعالى في القرآن من الأدلة والآيات في الأرض والسموات .