واطو الطريق فإنك بالواد المقدس طوى واستمع بسر قلبك لما يوحى فلعلك تجد على النار هدى ولعلك من سرادقات العرش تنادى بما نودي به موسى إني أنا ربك فلما سمع السالك من العلم ذلك استشعر قصور نفسه وأنه مخنث بين فاشتعل قلبه نارا من حدة غضبه على نفسه لما رآها بعين النقص ، ولقد كان زيته الذي في مشكاة قلبه يكاد يضيء ولو لم تمسه نار ، فلما نفخ فيه العلم بحدته اشتعل زيته فأصبح نورا على نور فقال له العلم اغتنم الآن هذه الفرصة وافتح بصرك لعلك تجد على النار هدى ففتح بصره فانكشف له القلم الإلهي فإذا هو كما وصفه العلم في التنزيه ما هو من خشب ولا قصب ولا له رأس ولا ذنب وهو يكتب على الدوام في قلوب البشر كلهم أصناف العلوم وكأن له في كل قلب رأسا ولا رأس له . فقضى منه العجب وقال نعم الرفيق العلم فجزاه الله تعالى عني خيرا إذ الآن ظهر لي صدق إنبائه عن أوصاف القلم فإني أراه قلما لا كالأقلام ، فعند هذا ودع العلم وشكره وقال قد طال مقامي عندك ومرادتي لك وأنا عازم على أن أسافر إلى حضرة القلم وأسأله عن شأنه فسافر إليه وقال له ما بالك أيها القلم تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما تبعث به الإرادات إلى أشخاص القدر وصرفها إلى المقدورات ؟ فقال أوقد نسيت ما رأيت في عالم الملك والشهادة ، وسمعت من جواب القلم إذ سألته فأحالك على اليد قال لم أنس ذلك . التشبيه والتنزيه
قال فجوابي مثله جوابه ، قال كيف : وأنت لا تشبهه ، قال القلم : أما سمعت أن الله تعالى خلق آدم على صورته ؟ قال : نعم .
قال ، فسل عن شأني الملقب بيمين الملك فإني في قبضته وهو الذي يرددني وأنا مقهور مسخر فلا فرق بين القلم الإلهي وقلم الآدمي في معنى التسخير وإنما الفرق في ظاهر الصورة .
فقال : فمن يمين الملك ؟ فقال القلم : أما سمعت قوله تعالى : والسماوات مطويات بيمينه قال : نعم ، قال : والأقلام أيضا في قبضة يمينه هو الذي يرددها ، فسافر السالك من عنده إلى اليمين حتى شاهده ورأى من عجائبه ما يزيد على عجائب القلم ولا يجوز وصف شيء من ذلك ولا شرحه بل لا تحوي مجلدات كثيرة عشر عشير وصفه .