ثم يتم لهم ذلك بعد فضل الله تعالى بطول المجاهدة إن كان النبي صلى الله عليه وسلم : يقول للدنيا : إليك عني ، إذ كانت تتمثل له بزينتها .
وكان كرم الله وجهه يقول : يا صفراء غري غيري ويا بيضاء غري غيري وذلك لاستشعاره في نفسه ظهور مبادئ الاغترار بها ، لولا أن رأى برهان ربه ، وذلك هو الغنى المطلق ، إذ قال : صلى الله عليه وسلم : علي ليس الغنى عن كثرة العرض ، إنما الغنى غنى النفس وإذا كان ذلك بعيدا فإذا الأصلح لكافة الخلق فقد المال وإن تصدقوا به وصرفوه إلى الخيرات لأنهم لا ينفكون في القدرة على المال عن أنس بالدنيا وتمتع بالقدرة عليها ، واستشعار راحة في بذلها وكل ذلك يورث الأنس بهذا العالم وبقدر ما يأنس العبد بالدنيا يستوحش من الآخرة ، وبقدر ما يأنس بصفة من صفاته سوى صفة المعرفة بالله يستوحش من الله ومن حبه ، ومهما انقطعت أسباب الأنس بالدنيا تجافى القلب عن الدنيا وزهرتها .