فإن قلت : فاعلم أن الكافر قد خبئ له ما هو أكثر ، وإنما أمهل حتى يستكثر من الإثم ، ويطول عليه العقاب ، كما قال تعالى : كيف أفرح وأرى جماعة ممن زادت معصيتهم على معصيتي ولم يصابوا بما أصبت به حتى الكفار ؟ إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وأما المعاصي فمن أين تعلم أن في العالم من هو أعصى منه ، ورب خاطر بسوء أدب في حق الله تعالى وفي صفاته أعظم وأطم من شرب الخمر والزنا وسائر المعاصي بالجوارح ؛ ولذلك قال تعالى في مثله : وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، فمن أين تعلم أن غيرك أعصى منك ؟! ثم لعله قد أخرت عقوبته إلى الآخرة ، وعجلت عقوبتك في الدنيا ، فلم لا تشكر الله تعالى على ذلك ، وهذا هو الوجه الثالث في الشكر وهو أنه ما من عقوبة إلا وكان يتصور أن تؤخر إلى الآخرة ومصائب الدنيا يتسلى عنها بأسباب أخر تهون المصيبة فيخف وقعها : ومصيبة الآخرة تدوم ، وإن لم تدم فلا سبيل إلى تخفيفها بالتسلي إذ أسباب التسلي مقطوعة بالكلية في الآخرة عن المعذبين ومن عجلت عقوبته في الدنيا فلا يعاقب ثانيا إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا العبد إذا أذنب ذنبا فأصابته شدة أو بلاء في الدنيا .