الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
المقيد ، وهو الذي جمع بعض هذه الأوصاف دون بعض فرب نافع مؤلم كقطع الإصبع المتآكلة والسلعة الخارجة من البدن ورب نافع قبيح كالحمق فإنه بالإضافة إلى بعض الأحوال نافع فقد ، قيل : استراح من لا عقل له ، فإنه لا يهتم بالعاقبة فيستريح في الحال إلى أن يحين وقت هلاكه ورب نافع من وجه ضار من وجه كإلقاء المال في البحر عند خوف الغرق فإنه ضار للمال نافع للنفس في نجاتها .

والنافع قسمان : ضروري كالإيمان ، وحسن الخلق في الإيصال إلى سعادة الآخرة ، وأعني بهما العلم والعمل إذ لا يقوم مقامهما البتة غيرهما وإلى ما لا يكون ضروريا كالسكنجبين مثلا في تسكين الصفراء فإنه قد يمكن تسكينها أيضا بما يقوم مقامه .

التالي السابق


(والضرب الثاني مقيد، وهو الذي جمع بعض هذه الأوصاف دون بعض) أي: شيئا من أوصاف الخيرات وشيئا من أوصاف الشرور (فرب نافع) مؤذ (مؤلم كقطع الإصبع الزائدة) وفي نسخة: المتآكلة (والسلعة الخارجة من البدن) كجدع قصير أنفه، فإنه وإن نفعه في إدراك الثأر فقد آذاه، (ورب نافع قبيح كالحمق) وهو فساد جوهر العقل (فإنه بالإضافة إلى بعض الأحوال نافع، وقد قيل: استراح من لا عقل له، فإنه لا يهتم بالعاقبة فيستريح في الحال إلى أن يحين وقت هلاكه) فهذا وإن نفعه باعتبار ذلك فهو جدا قبيح. (ورب نافع من وجه ضار من وجه آخر كإلقاء المال في البحر عند خوف الغرق) أي: كمن في سفينة فخاف الغرق فألقى متاعه في الماء فتخلصت السفينة، (فإنه ضار للمال نافع للنفس في نجاتها) ، والوجهان مختلفان وكل ما نفعه وجماله ولذته أطول مدة وأعم عائدة فهو أفضل .

فإن قيل ما الفرق بين الخير والسعادة والفضيلة والنافع؟ فاعلم أن الخير المطلق هو المختار من أجل نفسه والمختار غيره لأجله، وهو الذي يتشوفه كل عاقل بل الكل بلا شهوية، ويضاده الشر وهو المحترز من أجل نفسه، والمحترز غيره من أجله، والسعادة المطلقة حسن الحياة في الآخرة، وهي الأربع التي تقدم ذكرها، وقد يقال لما يتوصل به إلى هذه الأربع سعادة ويضادها الشقاوة، وأما الفضيلة فاسم لما يحصل به الإنسان مزية على الغير بأن يتوصل به إلى السعادة، ويضادها الرذيلة، وأما النافع فهو ما يعين على بلوغ الفضيلة والسعادة والخير، (و) إذا علمت ذلك فاعلم أن (النافع قسمان: ضروري) وهو ما لا يمكن الوصول أي المطلوب إلا به (كالإيمان، وحسن الخلق في الإيصال إلى سعادة الآخرة، وأعني بهما العلم والعمل) الصالح للمكلفين (إذ لا يقوم مقامهما [ ص: 82 ] ألبتة غيرهما وإلى ما لا يكون ضروريا) وهو الذي قد يسد غيره مسده (كالسكنجبين مثلا في تسكين الصفراء فإنه قد يمكن تسكينها أيضا بما يقوم مقامه) . وكل نافع فقد يسمى فضيلة، وسعادة، وخيرا، لكونه مبلغا إلى ذلك، والله أعلم .




الخدمات العلمية