ولفظ القدر بإزاء التفصيل المتمادي إلى غير نهاية وقيل : إن شيئا من ذلك ليس خارجا عن
nindex.php?page=treesubj&link=28774القضاء والقدر فخطر لبعض العباد أن القسمة لماذا اقتضت هذا التفصيل ، وكيف انتظم العدل مع هذا التفاوت والتفضيل ، وكان بعضهم لقصوره لا يطيق ملاحظة كنه هذا الأمر والاحتواء : على مجامعه فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع وقيل لهم اسكنوا فما لهذا خلقتم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وامتلأت مشكاة بعضهم نورا مقتبسا من نور الله تعالى في السموات والأرض وكان زيتهم أولا صافيا يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار فمسته نار فاشتعل نورا على نور فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها فأدركوا الأمور كلها كما هي عليه فقيل لهم تأدبوا بآداب الله تعالى واسكنوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا فإن للحيطان آذانا وحواليكم ضعفاء الأبصار فسيروا بسير أضعفكم ولا تكشفوا حجاب الشمس لأبصار الخفافيش فيكون ذلك سبب هلاكهم فتخلقوا بأخلاق الله تعالى وانزلوا إلى سماء الدنيا من منتهى علوكم ليأنس بكم الضعفاء ويقتبسوا من بقايا أنواركم المشرقة من وراء حجابكم كما يقتبس الخفافيش من بقايا نور الشمس والكواكب في جنح الليل فيحيا به حياة يحتملها شخصه وحاله وإن كان لا يحيا به حياة المترددين في كمال نور الشمس وكونوا كمن قيل فيهم .
شربنا شرابا طيبا عند طيب كذلك شراب الطيبين يطيب شربنا وأهرقنا على الأرض فضلة
وللأرض من كأس الكرام نصيب
فهكذا كان أول هذا الأمر وآخره ولا تفهمه إلا إذا كنت أهلا له ، وإذا كنت أهلا له فتحت العين وأبصرت فلا تحتاج إلى قائد يقودك والأعمى يمكن أن يقاد ولكن حد ما ، فإذا ضاق الطريق وصار أحد من السيف وأدق من الشعر قدر الطائر على أن يطير عليه ولم يقدر على أن يستجر وراءه أعمى .
وَلَفْظُ الْقَدَرِ بِإِزَاءِ التَّفْصِيلِ الْمُتَمَادِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَقِيلَ : إِنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ خَارِجًا عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28774الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَخَطَرَ لِبَعْضِ الْعِبَادِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لِمَاذَا اقْتَضَتْ هَذَا التَّفْصِيلَ ، وَكَيْفَ انْتَظَمَ الْعَدْلُ مَعَ هَذَا التَّفَاوُتِ وَالتَّفْضِيلِ ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ لِقُصُورِهِ لَا يُطِيقُ مُلَاحَظَةَ كُنْهِ هَذَا الْأَمْرِ وَالِاحْتِوَاءَ : عَلَى مَجَامِعِهِ فَأَلْجَمُوا عَمَّا لَمْ يُطِيقُوا خَوْضَ غَمْرَتِهِ بِلِجَامِ الْمَنْعِ وَقِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا فَمَا لِهَذَا خُلِقْتُمْ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَامْتَلَأَتْ مِشْكَاةُ بَعْضِهِمْ نُورًا مُقْتَبَسًا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ زَيْتُهُمْ أَوَّلًا صَافِيًا يَكَادُ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ فَمَسَّتْهُ نَارٌ فَاشْتَعَلَ نُورًا عَلَى نُورٍ فَأَشْرَقَتْ أَقْطَارُ الْمَلَكُوتِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بِنُورِ رَبِّهَا فَأَدْرَكُوا الْأُمُورَ كُلَّهَا كَمَا هِيَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُمْ تَأَدَّبُوا بِآدَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْكُنُوا ، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا فَإِنَّ لِلْحِيطَانِ آذَانًا وَحَوَالَيْكُمْ ضُعَفَاءُ الْأَبْصَارِ فَسِيرُوا بِسَيْرِ أَضْعَفِكُمْ وَلَا تَكْشِفُوا حِجَابَ الشَّمْسِ لِأَبْصَارِ الْخَفَافِيشِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ فَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْزِلُوا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ مُنْتَهَى عُلُوِّكُمْ لِيَأْنَسَ بِكُمُ الضُّعَفَاءُ وَيَقْتَبِسُوا مِنْ بَقَايَا أَنْوَارِكُمُ الْمُشْرِقَةِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِكُمْ كَمَا يَقْتَبِسُ الْخَفَافِيشُ مِنْ بَقَايَا نُورِ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ فَيَحْيَا بِهِ حَيَاةً يَحْتَمِلُهَا شَخْصُهُ وَحَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْيَا بِهِ حَيَاةَ الْمُتَرَدِّدِينَ فِي كَمَالِ نُورِ الشَّمْسِ وَكُونُوا كَمَنْ قِيلَ فِيهِمْ .
شَرِبْنَا شَرَابًا طَيِّبًا عِنْدَ طَيِّبٍ كَذَلِكَ شَرَابُ الطَّيِّبِينَ يَطِيبُ شَرِبْنَا وَأَهْرَقْنَا عَلَى الْأَرْضِ فَضْلَةً
وَلِلْأَرْضِ مِنَ كَأْسِ الْكِرَامِ نَصِيبُ
فَهَكَذَا كَانَ أَوَّلَ هَذَا الْأَمْرِ وَآخِرَهُ وَلَا تَفْهَمْهُ إِلَّا إِذَا كُنْتَ أَهْلًا لَهُ ، وَإِذَا كُنْتَ أَهْلًا لَهُ فَتَحْتَ الْعَيْنِ وَأَبْصَرْتَ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى قَائِدٍ يَقُودُكَ وَالْأَعْمَى يُمْكِنُ أَنْ يُقَادَ وَلَكِنْ حَدٍّ مَا ، فَإِذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ وَصَارَ أَحَدَّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ قَدَرَ الطَّائِرُ عَلَى أَنْ يَطِيرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْتَجِرَّ وَرَاءَهُ أَعْمَى .