وأما الحكمة في سائر الكواكب السيارة منها والثوابت فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق ، والقدر الذي يحتمله فهم الخلق أنها زينة للسماء لتستلذ العين بالنظر إليها ، وأشار إليه قوله تعالى : إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب فجميع أجزاء العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته وأعضاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته عن حكم كثيرة ، من حكمه واحدة إلى عشرة إلى ألف إلى عشرة آلاف وكذا أعضاء الحيوان تنقسم إلا ما يعرف حكمتها ، كالعلم بأن العين للإبصار لا للبطش ، واليد للبطش لا للمشي ، والرجل للمشي لا للشم ، فأما الأعضاء الباطنة من الأمعاء والمرارة والكبد والكلية وآحاد العروق والأعصاب والعضلات وما فيها من التجاويف والالتفاف والاشتباك والانحراف والدقة والغلظ وسائر الصفات فلا يعرف الحكمة فيها سائر الناس ، والذين يعرفونها لا يعرفون منها إلا قدرا يسيرا ، بالإضافة إلى ما في علم الله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فإذا ، كل من استعمل شيئا في جهة غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي أريد به فقد كفر فيه نعمة الله تعالى ، فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد إذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يهلكه ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره ، ومن نظر إلى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين ونعمة الشمس ، إذ الإبصار يتم بهما ، وإنما خلقتا ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه ، ويتقي بهما ما يضره فيهما ، فقد استعملها في غير ما أريد به ، وهذا لأن المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها أن يستعين الخلق بهما على ولا وصول إليه إلا بمحبته والأنس به في الدنيا والتجافي : عن غرور الدنيا ، ولا أنس إلا بدوام الذكر ، ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر . الوصول إلى الله تعالى ،