الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن قلت : فما قولك في تائبين أحدهما نسي الذنب ولم يشتغل بالتفكر فيه ، والآخر جعله نصب عينه ، ولا يزال بتفكر فيه ، ويحترق ندما عليه ، فأيهما أفضل ؟ فاعلم أن هذا أيضا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : حقيقة التوبة أن تنصب ذنبك بين عينيك وقال آخر حقيقة التوبة أن تنسى ذنبك وكل واحد من المذنبين عندنا على حق ، ولكن بالإضافة إلى حالين .

التالي السابق


(فإن قلت: فما قولك في تائبين أحدهما نسي الذنب ولم يشتغل بالتفكر فيه، والآخر جعله نصب عينيه، ولا يزال يتفكر فيه، ويحترق ندما عليه، فأيهما أفضل؟ فاعلم أن هذا أيضا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: حقيقة التوبة أن تنصب ذنبك بين عينيك) أي: لا تنساه، وهذا قول أبي محمد سهل التستري قال القشيري في الرسالة: سمعت أبا حاتم يقول: سمعت أبا نصر السراج الصدفي يقول: سئل سهل بن عبد الله عن التوبة فقال: أن لا تنسى ذنبك اهـ .

قلت: ويؤيده خبر: إن العبد يذنب فيدخله ذنبه الجنة، قيل: كيف يدخله ذنبه الجنة يا رسول الله؟ قال: لا يزال نصب عينيه تائبا منه هاربا.

(وقال آخر) وفي نسخة: آخرون: (حقيقة التوبة أن تنسى ذنبك) قال القشيري في الرسالة: وسئل الجنيد عن التوبة فقال: أن تنسى ذنبك اهـ. واختلف في معنى نسيانه الذنب; فقيل: معناه أن يخرج حلاوته من قلبه خروجا لا يبقى له في سره أثر حتى يكون كمن لم يعرفه قط، وقيل: المراد به ترك العود إليه، وقد مال السري السقطي شيخ الجنيد إلى قول سهل، ورد عليه الجنيد ذلك فيما قال القشيري: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: سمعت أبا عبد الله بن مفلح بالأهواز يقول: سمعت سمر بن رزين يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت على السري يوما فرأيته متغيرا فقلت: ما لك؟ فقال: دخل علي شاب فسألني عن التوبة فقلت له: أن لا تنسى ذنبك، فعارضني وقال: بل التوبة أن تنسى ذنبك. فقلت: إن الأمر عندي ما قاله الشاب، فقال: لم؟ قلت: لأني إذا كنت في حال الجفاء فنقلني إلى حال الوفاء، فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت اهـ. وأراد بالجفاء الذنب، وبحال الصفاء التوبة، وقريب من قول الجنيد قول رويم; فإنه لما سئل عن التوبة قال: هي التوبة من التوبة، نقله القشيري عن أبي نصر السراج، والمعنى: التوبة من رؤية كونه تائبا، فإنه لا يرى ذلك إلا إذا كان مفرق القلب ناظرا لنفسه وتوبته فينحجب بذلك، فكمال توبته دوام شغله بربه حتى ينسى توبته كما قال الجنيد: وقد قيل في تأويل كلام رويم وجوه أخر سيأتي ذكر بعضها في محالها، (وكل واحد من المذهبين عندنا حق، ولكن بالإضافة إلى حالين) مختلفين .




الخدمات العلمية