الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتثم من ثلاثة أمور مرتبة : علم ، وحال ، وفعل .

التالي السابق


ولنعد إلى شرح كلام المصنف، قال رحمه الله تعالى: (اعلم أن التوبة) مقام من جملة مقامات اليقين التسعة، وهي (عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم، وحال، وفعل) ، والمراد بالفعل العمل، لكن العمل أخص; إذ الفعل ما ظهر عن داعية من الموقع، كان عن علم أو غير علم، لتدين كان أو غيره، والعمل كل فعل من الحيوان يقصد، فهو أخص من الفعل; لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوان الذي يقع منه فعل بغير قصد، وقد ينسب إلى الجماد، والعمل قد لا ينسب إلى ذلك، ولذلك قيل: لو قال وعمل كان أنسب .

ولنقدم قبل الخوض فيه مقدمة تتنزل منزلة التوطئة، وتمهيدا لكل ما نستقبله من مقام وحال، فاعلم أن جملة ما تكلم الناس فيه من المقامات والأحوال، كلها هي من الإيمان بالله ولله، قال الله [ ص: 501 ] تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ، والإيمان بالله ولله عقود كثيرة لا نهاية لها; لأن كل ما ورد من أسماء الله تعالى سواء دل على عين الذات الأقدس، أو على صفة من صفاتها، أو على سلب نقض وعيب عنها، أو على إثبات جلال وكمال لها فهو من عقود الإيمان بالله، وكل ما جاءنا عن الله من أمر ونهي أو خبر ماض أو مستقبل أو حال فهو من الإيمان بالله تعالى، وسيأتي في كل مقام بيان كل ما هو من الإيمان بالله أو لله في موضعه إن شاء الله تعالى، فإذا علمت أن عقود الإيمان لا حصر لها كان النفي والإيجاب لا نهاية لهما، والأوامر والنواهي كذلك لأن من جملتها النفي والإيجاب، علمت أن كل عقد من عقود الإيمان أصل; ولذلك الأصل فرع، وللفرع ثمرة، ولذلك شبه الله تعالى الإيمان بالشجرة; قال الله تعالى: ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، فعرفنا أن لها أصلا ثابتا في القلوب بما أمد ساقه من النظر والاعتبار، وعرفنا أن لها فروعا تنشأ منها هي مواجيد القلوب، وأحوال لها بسبب ما جبلها عليه من محبة سعادتها وكمالها، وعرفنا بقوله تؤتي أكلها كل حين أن لها ثمارا هي أعمالنا الناشئة عن أحوال قلوبنا، وبها نجاتنا وكمالنا، وقوله بإذن ربها لأنه خالقها ومالكها، وفيه دليل الرد على من يقول بالتولد، وفيه دليل على أن لا يصدر منا من أفعالنا إلا ما هو موجود بقدرته على ما قدرته مشيئته.




الخدمات العلمية